1746 - مسألة : ولا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم - المرتد وغير المرتد سواء - إلا أن المرتد مذ يرتد فكل ما ظفر به من ماله فلبيت مال المسلمين - رجع إلى الإسلام أو مات مرتدا ، أو قتل مرتدا ، أو لحق بدار الحرب - وكل من لم يظفر به من ماله حتى قتل أو مات مرتدا : فلورثته من الكفار ، فإن رجع إلى الإسلام فهو له ، أو لورثته من المسلمين إن مات مسلما . 
روينا من طريق  سفيان بن عيينة  عن الزهري  عن علي بن الحسين  عن  عمرو بن عثمان بن عفان  عن  أسامة بن زيد  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر   } وهذا عموم لا يجوز أن يخص منه شيء . 
فإن قيل : إنكم تقولون : إن مات عبد نصراني ، أو مجوسي ، أو يهودي - وسيده مسلم    - فماله لسيده ؟ قلنا : نعم ، لا بالميراث ، لكن لأن للسيد أخذه في حياته فهو له بعد وفاته والعبد لا يورث بالخبر الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في ميراث المكاتب فلم يجعل للجزء المملوك ميراثا - لا له ولا منه - . 
واختلف الناس في بعض هذا - :  [ ص: 338 ] فروينا عن  معاذ بن جبل  ،  ومعاوية  ،  ويحيى بن يعمر  ،  وإبراهيم  ،  ومسروق    : توريث المسلم من الكافر  ، ولا يرث الكافر المسلم    - : وهو قول  إسحاق بن راهويه  ، وهو عن  معاوية  ثابت . 
كما روينا من طريق  حماد بن سلمة  نا  داود بن أبي هند  عن الشعبي  عن  مسروق  أن  معاوية  كان يورث المسلم من الكافر ، ولا يورث الكافر من المسلم . 
قال  مسروق    : ما حدث في الإسلام قضاء أعجب إلي منه ؟ وقال  أحمد بن حنبل    : لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم إلا أن يكون مسلم أعتق كافرا فإنه يرثه - واحتج لهذا القول بما روينا من طريق  ابن وهب  عن محمد بن عمرو  عن  ابن جريج  عن  أبي الزبير  عن  جابر  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته   } . 
قال أبو محمد    :  أبو الزبير  عن  جابر  ما لم يقل " سمعت ، أو أنا ، أو أرنا " تدليس ، ولو صح فليس فيه : إلا عبده ، أو أمته ، ولا يسمى المعتق ، ولا المعتقة : عبدا ، ولا أمة . 
واختلفوا في ميراث المرتد    : فصح عن  علي بن أبي طالب    : أنه لورثته من المسلمين - : كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال  نا  أبو معاوية الضرير  عن  الأعمش  عن  أبي عمرو الشيباني    : أن  علي بن أبي طالب  جعل ميراث المرتد لورثته من المسلمين - وروي مثله عن  ابن مسعود  ، ولم يصح . 
ومن طريق  وكيع  نا  سفيان الثوري  عن موسى بن أبي كثير  قال : سألت  سعيد بن المسيب  عن المرتد هل يرث المرتد بنوه ؟ فقال : نرثهم ولا يرثوننا ، قال : وتعتد امرأته ثلاثة قروء ، فإن قتل : فأربعة أشهر وعشرا . 
ومن طريق سفيان الثوري  عن  عمرو بن عبيد  عن الحسن  قال : كان المسلمون يطيبون ميراث المرتد لأهله إذا قتل . 
وروي توريث مال المقتول على الردة لورثته من المسلمين عن  عمر بن عبد العزيز  ، والشعبي  ، والحكم بن عتيبة  ، والأوزاعي  ،  وإسحاق بن راهويه    . 
وقال  سفيان الثوري    : ما كان من ماله في ملكه إلى أن ارتد فلورثته من المسلمين ،  [ ص: 339 ] وما كسب بعد ردته فلجميع المسلمين - وقال  أبو حنيفة    : إن راجع الإسلام فماله فإن قتل على الردة أو لحق بدار الحرب فما كسب بعد الردة فلجميع المسلمين ، وما كان له قبل الردة فلورثته من المسلمين ، ويقضي القاضي بعتق مدبريه ، وأمهات أولاده ، فإن رجع إلى أرض الإسلام مسلما أخذ ما وجد من ماله بأيدي ورثته ; ولا يرجع عليهم بشيء مما أكلوه ، أو أتلفوه ، وكل ما حمل من ماله إلى أرض الحرب فهو لجميع المسلمين إذا ظفر به  ، لا لورثته ، فلو رجع من أرض الحرب إلى أرض الإسلام فأخذ مالا من ماله فنهض به إلى أرض الحرب فظفر به ، فهو لورثته من المسلمين ، فلو كانت له أمتان إحداهما مسلمة ، والأخرى كافرة ، فولدتا منه لأكثر من ستة أشهر - مذ ارتد - فأقر بهما لحقا به جميعا ، وورثه ابن المسلمة ، ولم يرثه ابن الذمية . 
قال : ولا يرث المرتد - مذ يرتد - إلى أن يقتل أو يموت ، أو يسلم أحد من ورثته المسلمين ، ولا الكفار أصلا . 
وقالت طائفة : ميراثه لبيت مال المسلمين : - كما روينا عن  ابن وهب  عن الثقة عنده عن  عباد بن كثير  عن أبي إسحاق الهمداني  عن الحارث  عن  علي بن أبي طالب  قال : ميراث المرتد في بيت مال المسلمين وبه يقول  ربيعة  ،  وابن أبي ليلى  ،  والشافعي  ،  وأبو ثور    . 
وقال  مالك    : إن قتل ، أو مات ، أو لحق بدار الحرب ، فهو في بيت مال المسلمين ، فإن رجع إلى الإسلام فماله له ، فإن ارتد عند موته ، فإن اتهم : إنما ارتد ليمنع ورثته ؟ فماله لورثته - هذا مع قوله : إن من ارتد عند موته لم ترثه امرأته ; لأنه لا يتهم أحد بأنه يرتد ليمنع أخذ الميراث . 
وقال  أبو سليمان    : ميراث المرتد إن قتل لورثته من الكفار . 
وقال  أشهب    : مال المرتد - مذ يرتد - لبيت مال المسلمين . 
قال  أبو محمد    : أما قول  مالك    : فظاهر الاضطراب والتناقض كما ذكرنا ، وحكم بالتهمة ؟ وهو الظن الكاذب الذي حرم القرآن والسنة الحكم به ، وأما قول سفيان    : فتقسيم فاسد لا دليل عليه من قرآن ، ولا سنة ، ولا قياس ، ولا قول صاحب . 
وأما قول  أبي حنيفة    - فوساوس كثيرة فاحشة - :  [ ص: 340 ] منها : تفريقه بين المرتد وسائر الكفار . 
ومنها : توريثه ورثته على حكم المواريث وهو حي بعد . 
ومنها : قضاؤه له إن رجع بما وجد ، لا بما استهلكوا - ولا يخلو من أن يكون وجب للورثة ما قضوا لهم به ، أو لم يجب لهم ، ولا سبيل إلى ثالث . 
فإن كان وجب لهم ؟ فلأي شيء ينتزعه من أيديهم - وهذا ظلم وباطل وجور . 
وإن كان لم يجب لهم ؟ فلأي شيء استحلوا أن يقضوا لهم به حتى أكلوه ، وورث عنهم ، وتحكموا فيه ، ولئن كان رجع إلى المراجع إلى الإسلام ؟ فما الذي خص برجوعه إليه ما وجد دون ما لم يجد ؟ وإن كان لم يرجع إليه ، فبأي شيء قضوا له به ؟ إن هذا لضلال لا خفاء به وأعجب شيء اعتراض هؤلاء النوكى على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاحه أم المؤمنين صفية  ، وجعله عتقها صداقها بقولهم السخيف : لا يخلو من أن يكون تزوجها وهي أمة ، فهذا لا يجوز ، أو تزوجها وهي حرة معتقة - فهذا نكاح بلا صداق ، مع إجازتهم  لأبي حنيفة  هذه الحماقات ، والمناقضات ، وما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية  رضي الله عنها إلا وهي حرة معتقة بصداق قد صح لها وتم ، وهو عتقه لها . 
ثم تفريق  أبي حنيفة  بين مال تركه في أرض الإسلام ، أو مال حمله مع نفسه إلى أرض الكفر ، ومال تركه ثم رجع فيه فحمله - فهذا من المضاعف نسجه - ونعوذ بالله من التخليط - مع أن هذه الأحكام الفاسدة لا تحفظ عن أحد قبل  أبي حنيفة  ، ولا عن أحد غيره قبل من ضل بتقليده . 
وأما من قال من السلف : بأن ميراثه لورثته من المسلمين ؟ فلا حجة لهذا القول إلا التعلق بظاهر آيات المواريث ، وأنه تعالى لم يخص مؤمنا من كافر ؟ فيقال لهم : لقد بينت السنة ذلك ، وأنتم قد منعتم المكاتب من الميراث والقرآن يوجبه له ، والسنة كذلك ، ومنعتم القاتل برواية لا تصح ، ومنعتم سائر الكفار من أن يرثهم المسلمون ؟ وقد قال بذلك بعض السلف ؟ وهذا تحكم لا وجه له ، فبطل تعلقهم بالقرآن في ذلك . 
قال  أبو محمد    : والذي نقول به فهو الذي ذكرنا قبل ، برهاننا على ذلك - : أن كل  [ ص: 341 ] ما ظفر به من ماله فهو مال كافر ، لا ذمة له ، وقد قال تعالى : { وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم    } ولا يحرم مال كافر إلا بالذمة ، وهذا لا ذمة له ، فإن رجع إلى الإسلام فلم يرجع إلا وقد بطل ملكه له ، أو عنه ، ووجب للمسلمين ، فلا حق له فيه إلا كأحد المسلمين . 
وأما ما لم يظفر به من ماله فهو باق على ما قد ثبت وصح من ملكه له [ فهو له ] ما لم يظفر المسلمون به ، لا فرق بينه وبين سائر أهل الحرب الذين لا ذمة لهم في ذلك . 
فإن مات أو قتل فهو لورثته الكفار خاصة ، لقول الله تعالى : { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض    } وآيات المواريث العامة للمسلمين والكفار ، فلا يخرج عن حكمها إلا ما أخرجه نص سنة صحيح . 
فإن كانوا ذمة سلم إليهم من ظفر به ; لأنهم قد ملكوه بالميراث . 
وإن كانوا حربيين أخذ للمسلمين متى ظفر به . 
فإن أسلم فهو له يرثه عنه ورثته من المسلمين كسائر المسلمين . 
وهذا حكم القرآن والسنن ، وموجب الإجماع - والحمد لله رب العالمين . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					