( 8159 ) مسألة ; قال : ( ولو حلف أن لا يكلمه ، فكتب إليه ، أو أرسل إليه رسولا  ، حنث ، إلا أن يكون أراد أن لا يشافهه ) أكثر أصحابنا على هذا . وهو مذهب  مالك  ،  والشافعي    . وقد روى  الأثرم  وغيره ، عن  أحمد  ، في رجل حلف أن لا يكلم رجلا ، فكتب إليه كتابا ، قال : وأي شيء كان سبب ذلك ؟ إنما ينظر إلى سبب يمينه ، ولم حلف إن الكتاب قد يجري مجرى الكلام ، والكتاب قد يكون بمنزلة الكلام في بعض الحالات . 
وهذا يدل على أنه لا يحنث بالكتاب ، إلا أن تكون نيته أو سبب يمينه يقتضي هجرانه ، وترك صلته ، وإن لم يكن كذلك ، لم يحنث بكتاب ولا رسول ; لأن ذلك ليس بتكلم في الحقيقة ، وهذا يصح نفيه ، فيقال : ما كلمته ، وإنما كاتبته أو راسلته . ولذلك قال الله تعالى : { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله    } . وقال : { يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي    } . 
وقال : { وكلم الله موسى تكليما    } . ولو كانت الرسالة تكليما ، لشارك موسى  غيره من الرسل ، ولم يختص بكونه كليم الله ونجيه . وقد قال  أحمد  ، حين مات بشر الحافي    : لقد كان فيه أنس ، وما كلمته قط . وقد كانت بينهما مراسلة ، وممن قال : لا يحنث بهذا .  الثوري  ،  وأبو حنيفة  ،  وابن المنذر  ،  والشافعي  في الجديد . 
واحتج أصحابنا بقوله تعالى : { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي    } . فاستثنى الرسول من التكلم ، والأصل أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه ، ولأنه وضع لإفهام الآدميين ، أشبه الخطاب . 
والصحيح أن هذا ليس بتكلم ، وهذا الاستثناء من غير الجنس ، كما قال في الآية الأخرى : { آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا    } . والرمز ليس بتكلم ، لكن إن نوى ترك مواصلته ، أو كان سبب يمينه  [ ص: 63 ] يقتضي هجرانه ، حنث ; لذلك ، ولذلك ، قال  أحمد    : إن الكتاب يجري مجرى الكلام ، وقد يكون بمنزلة الكلام . 
فلم يجعله كلاما ، إنما قال هو بمنزلته في بعض الحالات إذا كان السبب يقتضي ذلك . وإذا أطلق ، احتمل أن لا يحنث ; لأنه لم يكلمه . واحتمل أن يحنث لأن الغالب من الحالف هذه اليمين قصد ترك المواصلة ، فتعلق يمينه بما يراد في الغالب ، كقولنا في المسألة قبلها . والله أعلم . 
( 8160 ) فصل : وإن أشار إليه  ، ففيه وجهان ; قال  القاضي    : يحنث ; لأنه في معنى المكاتبة والمراسلة في الإفهام ، والثاني لا يحنث ذكره  أبو الخطاب    ; لأنه ليس بكلام ، قال الله تعالى لمريم  عليها السلام {    : فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا    } . إلى قوله : { فأشارت إليه    } . 
وقال في زكريا    {    : آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا    } . إلى قوله : { فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا    } . ولأن الكلام حروف وأصوات ، ولا يوجد في الإشارة ، ولأن الكلام شيء مسموع ، وتبطل به الصلاة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم {   : إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس   } والإشارة بخلاف هذا . 
فإن قيل : فقد قال الله تعالى : { آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا    } . قلنا : هذا استثناء من غير الجنس ، بدليل ما ذكرنا ، وصحة نفيه عنه ، فيقال : ما كلمه ، وإنما أشار إليه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					