إذا ثبت هذا ، فإن من شرط تحريم الرضاع أن يكون في الحولين    . وهذا قول أكثر أهل العلم ، روي نحو ذلك عن  عمر  ،  وعلي  ،  وابن عمر  ،  وابن مسعود  ،  وابن عباس  ،  وأبي هريرة    . وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم سوى عائشة  وإليه ذهب الشعبي  ،  وابن شبرمة  ، والأوزاعي  ،  والشافعي  ، وإسحاق  ،  وأبو يوسف  ،  ومحمد  ،  وأبو ثور  ، ورواية عن  مالك  ، وروي عنه ، إن زاد شهرا جاز ، وروي شهران . وقال  أبو حنيفة    : يحرم الرضاع في ثلاثين شهرا ; لقوله سبحانه : { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا    } . ولم يرد بالحمل حمل الأحشاء ; لأنه يكون سنتين فعلم أنه أراد الحمل في الفصال . 
وقال  زفر    : مدة الرضاع ثلاث سنين . وكانت عائشة  ترى رضاعة الكبير تحرم . ويروى هذا عن  عطاء   والليث  ،  وداود    ; لما روي { أن سهلة بنت سهيل  قالت : يا رسول الله ، إنا كنا نرى سالما  ولدا ، فكان يأوي معي ومع أبي حذيفة  في بيت واحد ، ويراني فضلا ، وقد أنزل الله فيهم ما قد علمت فكيف ترى فيه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أرضعيه . فأرضعته خمس رضعات ، فكان بمنزلة ولدها . فبذلك كانت عائشة  تأخذ ، تأمر بنات أخواتها ، وبنات إخوتها يرضعن من أحبت عائشة  أن يراها ، ويدخل عليها ، وإن كان كبيرا خمس رضعات ، وأبت ذلك  أم سلمة  ، وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس ، حتى يرضع في المهد ، وقلن  لعائشة    : والله ما ندري ، لعلها رخصة من النبي صلى الله عليه وسلم لسالم  دون الناس   } . رواه  النسائي  ، وأبو داود  ، وغيرهما . ولنا ، قول الله تعالى : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة    } . فجعل تمام الرضاعة حولين ، فيدل على أنه لا حكم لها بعدهما . وعن  عائشة  ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل ، فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إنه أخي من الرضاعة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انظرن من إخوانكن ، فإنما الرضاعة من المجاعة   } الشافعي . متفق عليه . 
وعن  أم سلمة  ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يحرم من الرضاع ، إلا ما فتق  [ ص: 143 ] الأمعاء ، وكان قبل الفطام   } . أخرجه الترمذي  ، وقال : حديث حسن صحيح . وعند هذا يتعين حمل خبر أبي حذيفة  على أنه خاص له دون الناس ، كما قال سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم . وقول  أبي حنيفة  ، تحكم يخالف ظاهر الكتاب وقول الصحابة ، فقد روينا عن  علي   وابن عباس  ، أن المراد بالحمل حمل البطن . وبه استدل  علي  أن أقل مدة الحمل ستة أشهر ، وقد دل على هذا قول الله تعالى : { وفصاله في عامين    } . فلو حمل على ما قاله  أبو حنيفة  ، لكان مخالفا لهذه الآية . 
إذا ثبت هذا ، فالاعتبار بالعامين لا بالفطام ، فلو فطم قبل الحولين ، ثم ارتضع فيهما ، لحصل التحريم ، ولو لم يفطم حتى تجاوز الحولين ، ثم ارتضع بعدهما قبل الفطام . لم يثبت التحريم . وقال ابن القاسم  ، صاحب  مالك    : لو ارتضع بعد الفطام في الحولين  ، لم تحرم ; لقوله عليه السلام : { وكان قبل الفطام   } . 
ولنا قول الله تعالى : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين    } . وروي عنه عليه السلام : { لا رضاع إلا ما كان في الحولين   } . والفطام معتبر بمدته لا بنفسه ، قال  أبو الخطاب    : لو ارتضع بعد الحولين  بساعة ، لم يحرم . وقال  القاضي    : لو شرع في الخامسة ، فحال الحول قبل كمالها ، لم يثبت التحريم . ولا يصح هذا ; لأن ما وجد من الرضعة في الحولين كاف في التحريم ، بدليل ما لو انفصل مما بعده ، فلا ينبغي أن يسقط حكم بإيصال ما لا أثر له به . واشترط  الخرقي  في نشر الحرمة بين المرتضع وبين الرجل الذي ثاب اللبن بوطئه ، أن يكون لبن حمل ينتسب إلى الواطئ ، إما لكون الوطء في نكاح أو ملك يمين ، أو بشبهة ، فأما لبن الزاني أو النافي للولد باللعان ، فلا ينشر الحرمة بينهما ، في مفهوم كلام  الخرقي    . وهو قول أبي عبد الله بن حامد  ، ومذهب  الشافعي    . 
وقال أبو بكر عبد العزيز    : تنتشر الحرمة بينهما ; لأنه معنى ينشر الحرمة ، فاستوى في ذلك مباحه ومحظوره ، كالوطء ، يحققه أن الواطئ حصل منه لبن وولد ، ثم إن الولد ينشر الحرمة بينه وبين الواطئ ، كذلك اللبن ، ولأنه رضاع ينشر الحرمة إلى المرضعة ، فنشرها إلى الواطئ ، كصورة الإجماع . ووجه القول الأول ، أن التحريم بينهما فرع لحرمة الأبوة ، فلما لم تثبت حرمة الأبوة ، لم يثبت ما هو فرع لها . ويفارق تحريم ابنته من الزنى ; لأنها من نطفته حقيقة ، بخلاف مسألتنا . 
ويفارق تحريم المصاهرة ; فإن التحريم ثم لا يقف على ثبوت النسب ، ولهذا تحرم أم زوجته وابنتها من غير نسب ، وتحريم الرضاع مبني على النسب ، ولهذا قال عليه السلام : { يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب   } . فأما المرضعة ، فإن الطفل المرتضع محرم عليها ، ومنسوب إليها عند الجميع . وكذلك يحرم جميع أولادها ، وأقاربها الذين يحرمون على أولادها ، على هذا المرتضع ، كما في الرضاع باللبن المباح . 
وإن كان المرتضع جارية ، حرمت على الملاعن ، بغير خلاف أيضا ; لأنها ربيبته ، فإنها بنت امرأته من الرضاع ، وتحرم على الزاني ، عند من يرى تحريم المصاهرة ، وكذلك يحرم بناتها وبنات المرتضع من الغلمان لذلك . 
				
						
						
