( 5413 ) مسألة ; قال : ( ومن خطب امرأة ، فلم تسكن إليه ، فلغيره خطبتها ) الخطبة ، بالكسر : خطبة الرجل المرأة لينكحها . والخطبة ، بالضم : هي حمد الله ، والتشهد ; ولا يخلو حال المخطوبة من ثلاثة أقسام : أحدها : أن تسكن إلى الخاطب لها ، فتجيبه ، أو تأذن لوليها في إجابته أو تزويجه ، فهذه يحرم على غير خاطبها خطبتها ; لما روى  ابن عمر  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {   : لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه   } . وعن  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ، حتى ينكح أو يترك   } . متفق عليهما . 
ولأن في ذلك إفسادا على الخاطب الأول ، وإيقاع العداوة بين الناس ، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الرجل على بيع أخيه . ولا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم ، إلا أن قوما حملوا النهي على الكراهة ، والظاهر أولى .  [ ص: 110 ] القسم الثاني : أن ترده أو لا تركن إليه . فهذه يجوز خطبتها ; لما روت  فاطمة بنت قيس  ، { أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن  معاوية   وأبا جهم  خطباها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما  معاوية  فصعلوك لا مال له ، وأما  أبو جهم  ، فلا يضع عصاه عن عاتقه ، انكحي  أسامة بن زيد    } . متفق عليه 
. فخطبها النبي صلى الله عليه وسلم بعد إخبارها إياه بخطبة  معاوية   وأبي جهم  لها ، ولأن تحريم خطبتها على هذا الوجه إضرار بها ، فإنه لا يشاء أحد أن يمنع المرأة النكاح إلا منعها بخطبته إياها ، وكذلك لو عرض لها في عدتها بالخطبة  ، فقال : لا تفوتيني بنفسك . وأشباه هذا ، لم تحرم خطبتها ; لأن في قصة  فاطمة  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها { لا تفوتينا بنفسك . ولم ينكر خطبة  أبي جهم   ومعاوية  لها   } . 
وذكر  ابن عبد البر  ، أن  ابن وهب  روى بإسناده عن الحارث بن سعد بن أبي ذباب  ، أن  عمر بن الخطاب  خطب امرأة على  جرير بن عبد الله  ، وعلى  مروان بن الحكم  ، وعلى  عبد الله بن عمر  ، فدخل على المرأة وهي جالسة في بيتها ، فقال  عمر    : إن  جرير بن عبد الله  يخطب ، وهو سيد أهل المشرق ، ومروان  يخطب ، وهو سيد شباب قريش  ،  وعبد الله بن عمر  يخطب ، وهو من قد علمتم ،  وعمر بن الخطاب  ، فكشفت المرأة الستر ، فقالت : أجاد أمير المؤمنين ؟ فقال : نعم . فقالت : فقد أنكحت أمير المؤمنين ، فأنكحوه . فهذا  عمر  قد خطب على واحد بعد واحد ، قبل أن يعلم ما تقول المرأة في الأول . 
القسم الثالث : أن يوجد من المرأة ما يدل على الرضى والسكون ، تعريضا لا تصريحا ، كقولها : ما أنت إلا رضى ، وما عنك رغبة . فهذه في حكم القسم الأول ، لا يحل لغيره خطبتها . هذا ظاهر كلام  الخرقي  ، وظاهر كلام  أحمد    ; فإنه قال : إذا ركن بعضهم إلى بعض ، فلا يحل لأحد أن يخطب . والركون يستدل عليه بالتعريض تارة ، وبالتصريح أخرى . وقال  القاضي    : ظاهر كلام  أحمد  إباحة خطبتها . وهو مذهب  الشافعي  في الجديد ; لحديث  فاطمة  ، حيث خطبها النبي صلى الله عليه وسلم . 
وزعموا أن الظاهر من كلامها ركونها إلى أحدهما . واستدل  القاضي  بخطبته لها قبل سؤالها هل وجد منها ما دل على الرضى أو لا ؟ ولنا ، عموم قوله عليه السلام : { لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه   } . ولأنه وجد منها ما دل على الرضى به ، وسكونها إليه ، فحرمت خطبتها ، كما لو صرحت بذلك . وأما حديث  فاطمة  فلا حجة لهم فيه ، فإن فيه ما يدل على أنها لم تركن إلى واحد منهما ، من وجهين ; أحدهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان قال لها : { لا تسبقيني بنفسك . وفي لفظ : لا تفوتيني بنفسك . وفي رواية : إذا حللت فآذنيني . فلم تكن لتفتات بالإجابة قبل أن تؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم   } . والثاني ، أنها ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم كالمستشيرة له فيهما ، أو في العدول عنهما إلى غيرهما ، وليس في الاستشارة دليل على ترجيح أحد الأمرين ، ولا ميل إلى أحدهما ، على أنها إنما ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم لترجع إلى قوله ورأيه ، وقد أشار عليها بتركهما ; لما ذكر من عيبهما ، فجرى ذلك مجرى ردها لهما ، وتصريحها بمنعهما . ومن وجه آخر ، أن  [ ص: 111 ] النبي صلى الله عليه وسلم قد سبقهما بخطبتها تعريضا ، بقوله لها ما ذكرنا ، فكانت خطبته بعدهما مبنية على الخطبة السابقة لهما ، بخلاف ما نحن فيه . ( 5414 ) فصل : والتعويل في الرد والإجابة على الولي إن كانت مجبرة ، وعليها إن لم تكن مجبرة ; لأنها أحق بنفسها من وليها ، ولو أجاب هو ، ورغبت عن النكاح ، كان الأمر أمرها . وإن أجاب وليها ، فرضيت ، فهو كإجابتها ، وإن سخطت فلا حكم لإجابته ; لأن الحق لها . ولو أجاب الولي في حق المجبرة ، فكرهت المجاب ، واختارت غيره ، سقط حكم إجابة وليها ، لكون اختيارها مقدما على اختياره . وإن كرهته ولم تجز سواه ، فينبغي أن يسقط حكم الإجابة أيضا ; لأنه قد أمر باستئمارها ، فلا ينبغي له أن يكرهها على من لا ترضاه . 
وإن أجابته ، ثم رجعت عن الإجابة وسخطته ، زال حكم الإجابة ; لأن لها الرجوع . وكذلك إذا رجع الولي المجبر عن الإجابة ، زال حكمها ; لأن له النظر في أمر موليته ، ما لم يقع العقد . وإن لم ترجع هي ولا وليها ، ولكن ترك الخاطب الخطبة ، أو أذن فيها ، جازت خطبتها ; لما روي في حديث  ابن عمر  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم { ، أنه نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه ، حتى يأذن له أو يترك .   } رواه  البخاري .    ( 5415 ) فصل : وخطبة الرجل على خطبة أخيه  في موضع النهي محرمة . قال  أحمد    : لا يحل لأحد أن يخطب في هذه الحال . وقال  أبو حفص العكبري    : هي مكروهة غير محرمة ، وهذا نهي تأديب لا تحريم . 
ولنا ، ظاهر النهي ، فإن مقتضاه التحريم ، ولأنه نهي عن الإضرار بالآدمي المعصوم ، فكان على التحريم ، كالنهي عن أكل ماله وسفك دمه ، فإن فعل فنكاحه صحيح . نص عليه  أحمد  فقال : لا يفرق بينهما . وهو مذهب  الشافعي    . وروي عن  مالك   وداود  ، أنه لا يصح . وهو قياس قول أبي بكر    ; لأنه قال في البيع على بيع أخيه : هو باطل . وهذا في معناه ، ووجهه أنه نكاح منهي عنه ، فكان باطلا كنكاح الشغار . ولنا ، أن المحرم لم يقارن العقد ، فلم يؤثر فيه ، كما لو صرح بالخطبة في العدة . 
				
						
						
