( 4500 ) فصل : لم يفرق  الخرقي  بين يسير اللقطة وكثيرها    . وهو ظاهر المذهب ، إلا في اليسير الذي لا تتبعه النفس ، كالتمرة والكسرة والخرقة ، وما لا خطر له ، فإنه لا بأس بأخذه والانتفاع به من غير تعريف ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على واجد التمرة حيث أكلها ، بل { قال له : لو لم تأتها لأتتك   } .  [ ص: 6 ]   { ورأى النبي صلى الله عليه وسلم تمرة فقال : لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة ، لأكلتها   } 
ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في إباحة أخذ اليسير والانتفاع به ، وقد روي ذلك عن  عمر  ،  وعلي  ،  وابن عمر  ، وعائشة  ، وبه قال  عطاء  ،  وجابر بن زيد  ،  وطاوس  ،  والنخعي  ،  ويحيى بن أبي كثير  ،  ومالك  ،  والشافعي  ، وأصحاب الرأي . وليس عن  أحمد  وأكثر من ذكرنا تحديد اليسير الذي يباح . وقال  مالك  ،  وأبو حنيفة    : لا يجب تعريف ما لا يقطع به السارق ، وهو ربع دينار عند  مالك  ، وعشرة دراهم عند  أبي حنيفة  
لأن ما دون ذلك تافه ، فلا يجب تعريفه ، كالكسرة والتمرة ، والدليل على أنه تافه قول عائشة  رضي الله عنها : كانوا لا يقطعون في الشيء التافه . وروي عن  علي  رضي الله عنه ، أنه وجد دينارا فتصرف فيه . وروى الجوزجاني  ، عن سلمى بنت كعب  ، قالت : وجدت خاتما من ذهب ، في طريق مكة  ، فسألت عائشة  عنه ، فقالت : تمتعي به . وروى أبو داود  ، بإسناده عن  جابر  ، قال : { رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط والحبل وأشباهه ، يلتقطه الرجل ينتفع به   } . والحبل قد يكون قيمته دراهم 
وعن  ابن ماجه  بإسناده ، عن  سويد بن غفلة  ، قال : خرجت مع سلمان بن ربيعة  ،  وزيد بن صوحان  ، حتى إذا كنا بالعذيب  ، التقطت سوطا ، فقالا لي : ألقه . فأبيت ، فلما قدمنا المدينة  ، أتيت أبي بن كعب  ، فذكرت ذلك له ، فقال : أصبت . قال الترمذي    : هذا حديث حسن صحيح . وللشافعية فيه ثلاثة أوجه كالمذاهب الثلاثة . ولنا على إبطال تحديده بما ذكروه ، أن حديث زيد بن خالد  عام في كل لقطة ، فيجب إبقاؤه على عمومه ، إلا ما خرج منه بالدليل ، ولم يرد بما ذكروه نص ، ولا هو في معنى ما ورد النص به 
ولأن التحديد والتقدير لا يعرف بالقياس ، وإنما يؤخذ من نص أو إجماع ، وليس فيما ذكروه نص ولا إجماع . وأما حديث  علي  ، فهو ضعيف ، رواه أبو داود  وقال : طرقه كلها مضطربة . ثم هو مخالف لمذهبهم ولسائر المذاهب ، فتعين حمله على وجه من الوجوه غير اللقطة ، إما لكونه مضطرا إليه أو غير ذلك ، وحديث عائشة  قضية في عين ، لا يدرى كم قدر الخاتم ، ثم هو قول صحابي ، وكذلك حديث  علي  ، وهم لا يرون ذلك حجة ، وسائر الأحاديث ليس فيها تقدير ، لكن يباح أخذ ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم وخص في أخذه من السوط والعصا والحبل ، وما قيمته كقيمة ذلك 
وقدره الشيخ أبو الفرج  في كتابه بما دون القيراط ، ولا يصح تحديده لما ذكرنا . 
				
						
						
