[ ص: 128 ] كتاب العارية ( 3911 ) مسألة : قال : ( والعارية مضمونة ، وإن لم يتعد فيها المستعير ) 
العارية : إباحة الانتفاع بعين من أعيان المال . مشتقة من عار الشيء : إذا ذهب وجاء . ومنه قيل للبطال : عيار ; لتردده في بطالته ، والعرب تقول : أعاره ، وعاره . مثل أطاعه ، وطاعه . 
والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع ; أما الكتاب فقول الله تعالى : { ويمنعون الماعون    } . روي عن  ابن عباس   وابن مسعود  أنهما قالا : العواري . وفسرها  ابن مسعود  فقال : القدر والميزان والدلو . وأما السنة ، فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبة عام حجة الوداع : { العارية مؤداة ، والدين مقضي ، والمنحة مردودة ، والزعيم غارم   } . أخرجه الترمذي ،  وقال : حديث حسن غريب . 
وروى  صفوان بن أمية ،    { أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه أدرعا يوم حنين  ، فقال : أغصبا يا محمد ؟ قال : بل عارية مضمونة   } . رواه أبو داود    . وأجمع المسلمون على جواز العارية  واستحبابها ، ولأنه لما جازت هبة الأعيان ، جازت هبة المنافع ، ولذلك صحت الوصية بالأعيان والمنافع جميعا . إذا ثبت هذا ، فإن العارية مندوب إليها ، وليست واجبة ، في قول أكثر أهل العلم ، وقيل : هي واجبة ; للآية ، ولما روى  أبو هريرة ،  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ما من صاحب إبل لا يؤدي حقها . الحديث . قيل : يا رسول الله : وما حقها ؟ قال : إعارة دلوها ، وإطراق فحلها ، ومنحة لبنها يوم وردها   } . فذم الله تعالى مانع العارية ، وتوعده رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكر في خبره . 
ولنا ، قول النبي : { إذا أديت زكاة مالك ، فقد قضيت ما عليك   } . رواه  ابن المنذر .  وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ليس في المال حق سوى الزكاة   } . وفي حديث الأعرابي { الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ماذا فرض الله علي من الصدقة ؟ قال : الزكاة . فقال : هل علي غيرها ؟ قال : لا ، إلا أن تطوع شيئا . أو كما قال   } . 
والآية فسرها  ابن عمر  والحسن البصري  بالزكاة ، وكذلك  زيد بن أسلم    . وقال عكرمة    : إذا جمع ثلاثتها فله الويل ، إذا سها عن الصلاة ، وراءى ، ومنع الماعون . ويجب رد العارية  إن كانت باقية . بغير خلاف . ويجب ضمانها  إذا كانت تالفة ، تعدى فيها المستعير أو لم يتعد . روي ذلك عن  ابن عباس   وأبي هريرة  وإليه ذهب  عطاء   والشافعي  وإسحاق  وقال الحسن   والنخعي  والشعبي   وعمر بن عبد العزيز   والثوري   وأبو حنيفة   ومالك  والأوزاعي   وابن شبرمة    : هي أمانة لا يجب ضمانها إلا بالتعدي ; لما روى  عمرو بن شعيب ،  عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ليس على المستعير غير المغل ، ضمان   } . ولأنه قبضها بإذن مالكها ، فكانت أمانة ، كالوديعة . قالوا : وقول النبي صلى الله عليه وسلم : { العارية مؤداة   } . يدل على أنها أمانة ، لقول الله تعالى : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها    } . 
 [ ص: 129 ] ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صفوان : { بل عارية مضمونة   } . وروى الحسن ،  عن سمرة ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { على اليد ما أخذت حتى تؤديه   } . رواه أبو داود ،  والترمذي .  وقال : حديث حسن غريب . ولأنه أخذ ملك غيره لنفع نفسه ، منفردا بنفعه من غير استحقاق ، ولا إذن في الإتلاف ، فكان مضمونا كالغصب ، والمأخوذ على وجه السوم . وحديثهم يرويه عمر بن عبد الجبار ،  عن عبيد بن حسان ،  عن  عمرو بن شعيب  ،  وعمر  وعبيد  ضعيفان . قاله  الدارقطني    . 
ويحتمل أنه أراد ضمان المنافع والأجزاء ، وقياسهم منقوض بالمقبوض على وجه السوم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					