الشرط الثاني المختلف فيه ، تعين مكان الإيفاء    . قال  القاضي    : ليس بشرط . وحكاه  ابن المنذر  عن  أحمد  ، وإسحاق  ، وطائفة من أهل الحديث . وبه قال  أبو يوسف   ومحمد    . وهو أحد قولي  الشافعي    ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم {   : من أسلم فليسلم في كيل معلوم ، أو وزن معلوم ، إلى أجل معلوم   } . ولم يذكر مكان الإيفاء ، فدل على أنه لا يشترط . 
وفي الحديث الذي فيه { ، أن اليهودي أسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما من حائط بني فلان فلا ، ولكن كيل مسمى ، إلى أجل مسمى   } . ولم يذكر مكان الإيفاء . ولأنه عقد معاوضة ، فلا يشترط فيه ذكر مكان الإيفاء ، كبيوع الأعيان ، وقال  الثوري    : يشترط ذكر مكان الإيفاء . وهو القول الثاني  للشافعي  وقال الأوزاعي    : هو مكروه لأن القبض يجب بحلوله ، ولا يعلم موضعه حينئذ ، فيجب شرطه لئلا يكون مجهولا . وقال  أبو حنيفة  ، وبعض أصحاب  الشافعي    : إن كان لحمله مؤنة ، وجب شرطه ، وإلا فلا يجب ; لأنه إذا كان لحمله مؤنة اختلف فيه الغرض ، بخلاف ما لا مؤنة فيه . 
وقال ابن أبي موسى    : إن كانا في برية لزم ذكر مكان الإيفاء ، وإن لم يكونا في برية ، فذكر مكان الإيفاء حسن ، وإن لم يذكراه كان الإيفاء في مكان العقد ; لأنه متى كانا في برية لم يمكن التسليم في مكان العقد فإذا ترك ذكره كان مجهولا ، وإن لم يكونا في برية اقتضى العقد التسليم في مكانه ، فاكتفى بذلك عن ذكره ، فإن ذكره كان تأكيدا ، فكان حسنا فإن شرط الإيفاء في مكان سواء ، صح ; لأنه عقد بيع فصح شرط ذكر الإيفاء في غير مكانه ، كبيوع الأعيان . ولأنه شرط ذكر مكان الإيفاء ، فصح ، كما لو ذكره في مكان العقد . 
وذكر ابن أبي موسى  رواية أخرى ، أنه لا يصح لأنه شرط خلاف ما اقتضاه العقد ، لأن العقد يقتضي الإيفاء في مكانه . وقال  القاضي  ،  وأبو الخطاب    : متى ذكر مكان الإيفاء ، ففيه روايتان ، سواء شرطه في مكان العقد أو في غيره ; لأن فيه غررا ، لأنه ربما تعذر تسليمه في ذلك المكان ، فأشبه تعيين المكيال . واختاره أبو بكر    . وهذا لا يصح ; فإن في تعيين المكان غرضا ومصلحة لهما ، فأشبه تعيين الزمان . 
وما ذكروه من احتمال تعذر التسليم فيه يبطل بتعيين الزمان ، ثم لا يخلو إما أن يكون مقتضى العقد التسليم في مكانه ، فإذا شرطه فقد شرط مقتضى العقد ، أو لا يكون ذلك مقتضى العقد فيتعين ذكر مكان الإيفاء ، نفيا للجهالة عنه ، وقطعا للتنازع ، فالغرر في تركه لا في ذكره . وفارق تعيين المكيال ، فإنه لا حاجة إليه ، ويفوت به علم المقدار المشترط لصحة العقد ، ويفضي إلى التنازع ، وفي مسألتنا لا يفوت به شرط ، ويقطع التنازع ، فالمعنى المانع من التقدير بمكيال بعينه مجهول هو المقتضي لشرط مكان الإيفاء ، فكيف يصح قياسهم عليه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					