( 2836 ) فصل : وإن باع شيئا فيه الربا ، بعضه ببعض ، ومعهما ، أو مع أحدهما من غير جنسه  ، كمد ودرهم بمد ودرهم ، أو بمدين ، أو بدرهمين . أو باع شيئا محلى بجنس حليته  ، فهذه المسألة تسمى مسألة مد عجوة    . والمذهب أنه لا يجوز ذلك . نص على ذلك  أحمد  ، في مواضع كثيرة ، وذكره قدماء الأصحاب ، قال ابن أبي موسى  في السيف المحلى والمنطقة والمراكب المحلاة بجنس ما عليها : لا يجوز ، قولا واحدا . 
وروي هذا عن  سالم بن عبد الله  ، والقاسم بن محمد  ،  وشريح  ،  وابن سيرين  وبه قال  الشافعي  ، وإسحاق  ،  وأبو ثور  ، وعن  أحمد  ، رواية أخرى ، تدل على أنه يجوز بشرط أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره ، أو يكون مع كل واحد منهما من غير جنسه ، فإن مهنا  نقل عن  أحمد  في بيع الزبد باللبن  ، يجوز ، إذا كان الزبد المنفرد أكثر من الزبد الذي في اللبن . 
وروى حرب  ، قال : قلت  لأحمد    : دفعت دينارا كوفيا ودرهما ، وأخذت دينارا شاميا ، وزنهما سواء ، لكن الكوفي أوضع  ؟ قال : لا يجوز ، إلا أن ينقص الدينار ، فيعطيه بحسابه فضة . وكذلك روى عنه محمد بن أبي حرب الجرجرائي    . وروى  الميموني  أنه سأله : لا يشتري السيف والمنطقة حتى يفصلها ؟ فقال : لا يشتريها حتى يفصلها . إلا أن هذا أهون من ذلك ; لأنه قد يشتري أحد النوعين بالآخر يفصله وفيه غير النوع الذي يشتري به ، فإذا كان من فضل الثمن ، إلا أن من ذهب إلى ظاهر القلادة لا يشتريه حتى يفصله . قيل له : فما تقول أنت ؟ قال : هذا موضع نظر . 
وقال أبو داود    : سمعت  أحمد  سئل عن الدراهم المسيبية ، بعضها صفر وبعضها فضة ، بالدراهم ؟ قال : لا أقول فيه شيئا ، قال أبو بكر    : روى هذه المسألة عن  أبي عبد الله  خمسة عشر نفسا . كلهم اتفقوا على أنه لا يجوز حتى يفصل ، إلا  الميموني    . ونقل مهنا  كلاما آخر . 
وقال  حماد بن أبي سليمان   وأبو حنيفة    : يجوز . هذا كله إذا كان المفرد أكثر من الذي معه غيره ، أو كان مع كل واحد منهما من غير جنسه . 
وقال الحسن    : لا بأس ببيع السيف المحلى بالفضة بالدراهم    . وبه قال الشعبي  ،  والنخعي  ، واحتج من أجاز ذلك بأن العقد إذا أمكن حمله على الصحة ، لم يحمل على الفساد ; لأنه لو اشترى لحما من قصاب  ، جاز مع احتمال كونه ميتة . ولكن وجب حمله على أنه مذكى ، تصحيحا للعقد . ولو اشترى من إنسان شيئا ، جاز ، مع احتمال كونه غير ملكه ، ولا إذن له في بيعه ، تصحيحا للعقد أيضا . 
وقد أمكن التصحيح هاهنا ، بجعل الجنس في مقابلة غير الجنس ، أو جعل غير الجنس في مقابلة الزائد على المثل . ولنا ، ما روى  فضالة بن عبيد  ، قال : { أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقلادة فيها ذهب وخرز ، ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو سبعة دنانير ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا ، حتى تميز بينهما   } . قال : فرده حتى ميز بينهما . رواه أبو داود    . وفي لفظ رواه  مسلم    . قال : فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الذهب  [ ص: 45 ] بالذهب وزنا بوزن   } . 
ولأن العقد إذا جمع عوضين مختلفي الجنس ، وجب أن ينقسم أحدهما على الآخر ، على قدر قيمة الآخر في نفسه ، فإذا اختلفت القيمة اختلف ما يأخذه من العوض . بيانه أنه إذا اشترى عبدين ، قيمة أحدهما مثل نصف قيمة الآخر بعشرة ، كان ثمن أحدهما ثلثي العشرة ، والآخر ثلثها ، فلو رد أحدهما بعيب ، رده بقسطه من الثمن ، ولذلك إذا اشترى شقصا وسيفا بثمن  أخذ الشفيع الشقص بقسطه من الثمن ، فإذا فعلنا هذا في من باع درهما ومدا قيمته درهمان ، بمدين قيمتهما ثلاثة ، حصل الدرهم في مقابلة ثلثي مد . 
والمد الذي مع الدرهم في مقابلة مد وثلث ، فهذا إذا تفاوتت القيم ، ومع التساوي يجهل ذلك ; لأن التقويم ظن وتخمين ، والجهل بالتساوي كالعلم بعدمه في باب الربا ، ولذلك لم يجز بيع صبرة بصبرة ، بالظن والخرص    . وقولهم : يجب تصحيح العقد . ليس كذلك ، بل يحمل على ما يقتضيه من صحة وفساد . ولذلك لو باع بثمن وأطلق ، وفي البلاد نقود  بطل ، ولم يحمل على نقد أقرب البلاد إليه ، أما إذا اشترى من إنسان شيئا فإنه يصح ; لأن الظاهر أنه ملكه ; لأن اليد دليل الملك . وإذا باع لحما فالظاهر أنه مذكى ; لأن المسلم ، في الظاهر ، لا يبيع الميتة . 
				
						
						
