( 2019 ) الفصل الثاني ، أن الحجامة يفطر بها الحاجم والمحجوم    . وبه قال إسحاق  ،  وابن المنذر  ،  ومحمد بن إسحاق بن خزيمة    . وهو قول  عطاء  ،  وعبد الرحمن بن مهدي    . وكان الحسن  ،  ومسروق  ،  وابن سيرين  ، لا يرون للصائم أن يحتجم . 
وكان جماعة من الصحابة يحتجمون ليلا في الصوم ، منهم  ابن عمر  ،  وابن عباس  ،  وأبو موسى  ،  وأنس  بن مالك ، ورخص فيها  أبو سعيد الخدري  ،  وابن مسعود  ، وأم سلمة  ،  وحسين بن علي  ،  وعروة  ،  وسعيد بن جبير    . وقال  مالك  ،  والثوري  ،  وأبو حنيفة  ،  والشافعي    : يجوز للصائم أن يحتجم ، ولا يفطر ; لما روى  البخاري  ، عن  ابن عباس  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم { احتجم وهو صائم   } . ولأنه دم خارج من البدن ، أشبه الفصد . ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { أفطر الحاجم والمحجوم .   } رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أحد عشر نفسا ، قال  أحمد    : حديث شداد بن أوس  من أصح حديث يروى في هذا الباب ، وإسناد حديث  رافع  إسناد جيد . وقال : حديث شداد   وثوبان  صحيحان ، وعن  علي بن المديني  ، أنه قال : أصح شيء في هذا الباب حديث شداد   وثوبان    . وحديثهم منسوخ بحديثنا ، بدليل ما روى  ابن عباس  ، أنه قال {   : احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقاحة بقرن وناب ، وهو محرم صائم ، فوجد لذلك ضعفا شديدا ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحتجم الصائم   } . رواه أبو إسحاق الجوزجاني  في المترجم ، 
وعن الحكم  ، قال {   : احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم   } فضعف ، ثم كرهت الحجامة للصائم . وكان  ابن عباس  وهو راوي حديثهم ، يعد الحجام والمحاجم ، فإذا غابت الشمس احتجم بالليل . كذلك رواه الجوزجاني    . 
وهذا يدل على أنه علم نسخ الحديث الذي رواه . ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم فأفطر ، كما روي عنه عليه السلام أنه { قاء فأفطر   } فإن قيل : فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم { رأى الحاجم والمحتجم يغتابان ،   } فقال ذلك ، قلنا : لم تثبت صحة هذه الرواية ، مع أن اللفظ أعم من السبب ، فيجب العمل بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، على أننا قد ذكرنا الحديث الذي فيه بيان علة النهي عن الحجامة ، وهي الخوف من الضعف ، فيبطل التعليل بما سواه ، أو يكون كل واحد منهما علة مستقلة . على أن الغيبة لا تفطر الصائم إجماعا ، فلا يصح حمل الحديث على ما يخالف الإجماع . قال  أحمد    : لأن يكون الحديث كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم {   : أفطر الحاجم والمحجوم   } أحب إلينا من أن يكون من الغيبة ; لأن من أراد أن يمتنع من الحجامة امتنع ، وهذا أشد على الناس ، من يسلم من الغيبة ، فإن قيل : فإذا كانت علة النهي ضعف الصائم بها فلا يقتضي ذلك الفطر ، وإنما يقتضي الكراهة ، ومعنى قوله : { أفطر الحاجم والمحجوم   } أي قربا من الفطر . قلنا : هذا تأويل يحتاج إلى دليل ، على أنه لا يصح  [ ص: 16 ] ذلك في حق الحاجم ، فإنه لا ضعف فيه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					