( 169 ) فصل : ولا يسن تكرار مسح الرأس  في الصحيح من المذهب . وهو قول  أبي حنيفة   ومالك  وروي ذلك عن  ابن عمر  وابنه سالم   والنخعي   ومجاهد  وطلحة بن مصرف  والحكم  قال الترمذي :  والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم . وعن  أحمد  أنه يسن تكراره . ويحتمله كلام  الخرقي    ; لقوله الثلاث أفضل . وهو مذهب  الشافعي  وروي عن أنس ،  قال  ابن عبد البر    : كلهم يقول : مسح الرأس مسحة واحدة . 
وقال  الشافعي    : يمسح برأسه ثلاثا ; لأن أبا داود  روى عن  شقيق بن سلمة  ، قال : { رأيت  عثمان بن عفان  غسل ذراعيه ثلاثا ، ومسح برأسه ثلاثا . ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل هذا .   } وروي مثل ذلك عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وروى عثمان ،   وعلي ،   وابن عمر ،   وأبو هريرة ،   وعبد الله بن أبي أوفى ،  وأبو مالك ،  والربيع ،  وأبي بن كعب ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { توضأ ثلاثا ثلاثا .   } وفي حديث أبي ،  قال : { هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي   } . رواه  ابن ماجه    . 
ولأن الرأس أصل في الطهارة ، فسن تكرارها فيه كالوجه . ولنا { أن  عبد الله بن زيد  وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ومسح برأسه مرة واحدة   } . متفق عليه . وروي عن {  علي  رضي الله عنه أنه توضأ ومسح برأسه مرة واحدة وقال : هذا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم من أحب أن ينظر إلى طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هذا .   } قال الترمذي :  هذا حديث حسن صحيح . 
{ وكذلك وصف  عبد الله بن أبي أوفى ،   وابن عباس ،   وسلمة بن الأكوع ،  والربيع ،  كلهم ، قالوا : ومسح برأسه مرة واحدة .   } وحكايتهم لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم إخبار عن الدوام ، ولا يداوم إلا على الأفضل الأكمل ، وحديث  ابن عباس  حكاية وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل حال خلوته ، ولا يفعل في تلك الحال إلا الأفضل ; ولأنه مسح في طهارة ، فلم يسن تكراره ، كالمسح في التيمم ، والمسح على الجبيرة ، وسائر المسح ، ولم يصح من أحاديثهم شيء صريح . 
قال أبو داود :  أحاديث عثمان  الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة ; فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثا ثلاثا ، وقالوا فيها : ومسح برأسه . ولم يذكروا عددا ، كما ذكروا في غيره ، والحديث الذي ذكر فيه : مسح رأسه ثلاثا . رواه  يحيى بن آدم ،  وخالفه  وكيع ،  فقال : توضأ ثلاثا . فقط . والصحيح عن عثمان  أنه { توضأ ثلاثا ثلاثا ، ومسح رأسه ولم يذكر عددا .   } هكذا رواه  البخاري   ومسلم .  قال أبو داود :  وهو الصحيح . ومن روي عنه ذلك سوى عثمان ،  فلم يصح ، فإنهم الذين رووا أحاديثنا وهي صحاح ، فيلزم من ذلك ضعف ما خالفها 
، والأحاديث التي ذكروا فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا . أرادوا بها ما سوى المسح ; فإن رواتها حين فصلوا قالوا : ومسح برأسه مرة واحدة . 
والتفصيل يحكم به على الإجمال ، ويكون تفسيرا له ، ولا يعارض به ، كالخاص مع العام ، وقياسهم منقوض بالتيمم . فإن قيل يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد مسح مرة ليبين الجواز ، ومسح ثلاثا ثلاثا ليبين الأفضل ، كما فعل في الغسل ، فنقل الأمران نقلا صحيحا من غير تعارض بين الروايات . 
قلنا : قول الراوي : هذا طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أنه طهوره على الدوام ; ولأن الصحابة ، رضي الله عنهم ، إنما ذكروا صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعريف سائلهم ومن حضرهم كيفية وضوئه في دوامه ، فلو شاهدوا وضوءه على صفة أخرى لم يطلقوا هذا الإطلاق الذي يفهم منه أنهم لم يشاهدوا غيره ;  [ ص: 89 ] لأن ذلك يكون تدليسا وإيهاما بغير الصواب ، فلا يظن ذلك بهم ، وتعين حمل حال الراوي لغير الصحيح على الغلط لا غير ; ولأن الرواة إذا رووا حديثا واحدا عن شخص واحد ، فاتفق الحفاظ منهم على صفة ، وخالفهم فيها واحد ، حكموا عليه بالغلط ، وإن كان ثقة حافظا ، فكيف إذا لم يكن معروفا بذلك ، 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					