( 1481 ) مسألة ; قال : ( ويدعو ، ويدعون ، ويكثرون في دعائهم الاستغفار    ) وجملته أن الإمام إذا صعد المنبر جلس ، وإن شاء لم يجلس ; لأن الجلوس لم ينقل ، ولا هاهنا أذان ليجلس في وقته ، ثم يخطب خطبة واحدة ، يفتتحها بالتكبير  ، وبهذا قال  عبد الرحمن بن مهدي    . وقال  مالك  ،  والشافعي    : يخطب خطبتين كخطبتي العيدين ; لقول  ابن عباس    : صنع النبي صلى الله عليه وسلم كما صنع في العيد . ولأنها أشبهتها في التكبير ، وفي صفة الصلاة ، فتشبهها في الخطبتين . 
ولنا ، قول  ابن عباس    : لم يخطب كخطبتكم هذه ، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير . وهذا يدل على أنه ما فصل بين ذلك بسكوت ولا جلوس . ولأن كل من نقل الخطبة لم ينقل خطبتين ، ولأن المقصود إنما هو دعاء الله تعالى ليغيثهم ، ولا أثر لكونها خطبتين في ذلك ، والصحيح من حديث  ابن عباس  أنه قال : صلى ركعتين ،  [ ص: 152 ] كما كان يصلي في العيد . ولو كان النقل كما ذكروه ، فهو محمول على الصلاة ، بدليل أول الحديث . 
ويستحب أن يستفتح الخطبة بالتكبير ، كخطبة العيد ، ويكثر من الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويقرأ كثيرا : { استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا    } وسائر الآيات التي فيها الأمر به ، فإن الله تعالى وعدهم بإرسال الغيث إذا استغفروه . وروي عن  عمر  رضي الله عنه أنه خرج يستسقي ، فلم يزد على الاستغفار ، وقال : لقد استسقيت بمجاديح السماء . 
وعن  عمر بن عبد العزيز  ، أنه كتب إلى  ميمون بن مهران  يقول : قد كتبت إلى البلدان أن يخرجوا إلى الاستسقاء إلى موضع كذا وكذا ، وأمرتهم بالصدقة والصلاة ، قال الله تعالى : { قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى    } . وأمرتهم أن يقولوا كما قال أبوهم آدم    : { ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين    } . ويقولوا كما قال نوح    : { وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين    } . ويقولوا كما قال يونس    : { فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين    } . ويقولوا كما قال موسى    : { رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم    } . 
ولأن المعاصي سبب انقطاع الغيث ، والاستغفار والتوبة تمحو المعاصي المانعة من الغيث ، فيأتي الله به . 
ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو بدعائه ، فروى  جابر    { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل   } . رواه أبو داود    . قال  الخطابي    : مريعا يروى على وجهين بالياء والباء ، فمن رواه بالياء جعله من المراعة ، يقال : أمرع المكان : إذا أخصب ، ومن رواه مربعا ، كان معناه منبتا للربيع . 
وعن  عائشة  قالت : { شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر ، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ، ووعد الناس يوما يخرجون فيه ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس ، فقعد على المنبر ، فكبر ، وحمد الله ، ثم قال : إنكم شكوتم جدب دياركم ، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم ، وقد أمركم الله أن تدعوه ، ووعدكم أن يستجيب لكم . ثم قال : { الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين    } لا إله إلا هو يفعل ما يريد ، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين . ثم رفع يديه ، فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ، ثم حول إلى الناس ظهره وقلب أو حول رداءه ، وهو رافع يديه ، ثم أقبل على الناس ، فنزل ، فصلى ركعتين   } . وقال  عبد الله بن عمرو    {   : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استسقى ، قال : اللهم اسق عبادك وبهائمك ، وانشر رحمتك ، وأحي بلدك الميت   } . رواهما أبو داود    . 
روى  ابن قتيبة  ، بإسناده في " غريب الحديث " ، عن  أنس    : أن النبي صلى الله عليه وسلم { خرج للاستسقاء ، فصلى بهم ركعتين ، يجهر فيهما بالقراءة ، وكان يقرأ في العيدين والاستسقاء في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب ، و " سبح اسم ربك الأعلى " ، وفي الركعة الثانية فاتحة الكتاب ، و " هل أتاك حديث الغاشية " ، فلما قضى صلاته استقبل القوم بوجهه ،  [ ص: 153 ] وقلب رداءه ، ورفع يديه ، وكبر تكبيرة قبل أن يستسقي ، ثم قال : اللهم اسقنا وأغثنا ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا ، وحيا ربيعا ، وجدا طبقا غدقا مغدقا مونقا ، هنيئا مريئا مريعا مربعا مرتعا ، سائلا مسبلا مجللا ، ديما درورا ، نافعا غير ضار ، عاجلا غير رائث ; اللهم تحيي به البلاد ، وتغيث به العباد ، وتجعله بلاغا للحاضر منا والباد ، اللهم أنزل في أرضنا زينتها ، وأنزل علينا في أرضنا سكنها ، اللهم أنزل علينا من السماء ماء طهورا ، فأحيي به بلدة ميتا ، وأسقه مما خلقت أنعاما وأناسي كثيرا .   } 
قال  ابن قتيبة    : المغيث : المحيي بإذن الله تعالى . والحيا : الذي تحيا به الأرض والمال . والجدا : المطر العام ، ومنه أخذ جدا العطية ، والجدوى مقصور . والطبق : الذي يطبق الأرض . والغدق والمغدق : الكثير القطر . والمونق : المعجب . والمريع : ذو المراعة والخصب . والمربع من قولك : ربعت مكان كذا : إذا أقمت به . واربع على نفسك : ارفق . 
والمرتع : من رتعت الإبل ، إذا أرعت . والسابل : من السبل ، وهو المطر . يقال سبل سابل ، كما يقال : مطر ماطر . والرائث : البطيء . والسكن : القوة ، لأن الأرض تسكن به . 
وروي عن  عبد الله بن عمر  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استسقى ، قال : { اللهم اسقنا غيثا مغيثا ، هنيئا مريعا ، غدقا مجللا ، طبقا سحا دائما ، اللهم اسقنا الغيث ، ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء والضنك والجهد ما لا نشكوه إلا إليك ، اللهم أنبت لنا الزرع ، وأدر لنا الضرع ، واسقنا من بركات السماء ، وأنزل علينا من بركاتك ، اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري ، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك ، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا ، فأرسل السماء علينا مدرارا   } 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					