[ ص: 143 ]   ( 1464 ) مسألة ; قال : ( يقرأ في الأولى بأم الكتاب وسورة طويلة ، يجهر بالقراءة ، ثم يركع فيطيل الركوع ، ثم يرفع فيقرأ ويطيل القيام ، وهو دون القيام الأول ، ثم يركع فيطيل الركوع ، وهو دون الركوع الأول ، ثم يسجد سجدتين طويلتين ، فإذا قام فعل مثل ذلك ، فيكون أربع ركعات وأربع سجدات ، ثم يتشهد ويسلم ) . 
وجملته أن المستحب في صلاة الكسوف أن يصلي ركعتين  ، يحرم بالأولى ، ويستفتح ، ويستعيذ ، ويقرأ الفاتحة وسورة البقرة ، أو قدرها في الطول ، ثم يركع فيسبح الله تعالى قدر مائة آية ، ثم يرفع فيقول : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد . 
ثم يقرأ الفاتحة وآل عمران ، أو قدرها ، ثم يركع بقدر ثلثي ركوعه الأول ، ثم يرفع فيسمع ويحمد ، ثم يسجد فيطيل السجود فيهما ، ثم يقوم إلى الركعة الثانية ، فيقرأ الفاتحة وسورة النساء ، ثم يركع فيسبح بقدر ثلثي تسبيحه في الثانية ، ثم يرفع فيقرأ الفاتحة والمائدة ، ثم يركع فيطيل دون الذي قبله ، ثم يرفع فيسمع ويحمد ، ثم يسجد فيطيل ، فيكون الجميع ركعتين ، في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان وسجودان . 
ويجهر بالقراءة ليلا كان أو نهارا    . وليس هذا التقدير في القراءة منقولا عن  أحمد  ، لكن قد نقل عنه أن الأولى أطول من الثانية ، وجاء التقدير في حديث  ابن عباس  ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم قام قياما طويلا ، نحوا من سورة البقرة   } . متفق عليه . وفي حديث  لعائشة    : { حزرت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت أنه قرأ في الركعة الأولى سورة البقرة ، وفي الثانية سورة آل عمران .   } 
وبهذا قال  مالك  ،  والشافعي  ، إلا أنهما قالا : لا يطيل السجود . حكاه عنهما  ابن المنذر    ; لأن ذلك لم ينقل . وقالا : لا يجهر في كسوف الشمس ، ويجهر في خسوف القمر . ووافقهم  أبو حنيفة  ، لقول عائشة    : حزرت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولو جهر بالقراءة لم تحتج إلى الظن والتخمين . وكذلك قال  ابن عباس    : قام قياما طويلا ، نحوا من سورة البقرة . 
وروى سمرة  ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خسوف الشمس ، فلم أسمع له صوتا .   } قال الترمذي    : هذا حديث حسن صحيح . ولأنها صلاة نهار ، فلم يجهر فيها كالظهر . وقال  أبو حنيفة    : يصلي ركعتين كصلاة التطوع ; لما روى النعمان بن بشير  ، قال : انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فكان يصلي ركعتين ويسلم ، ويصلي ركعتين ويسلم ، حتى انجلت الشمس . رواه  أحمد  ، عن  عبد الوهاب الثقفي  ، عن أيوب  ، عن  أبي قلابة  ، عن النعمان  
وروى قبيصة  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { فإذا رأيتموها فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة   } . ولنا ، أن  عبد الله بن عمرو  قال في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكسوف : ثم سجد ، فلم يكد يرفع . رواه أبو داود    . 
وفي حديث  عائشة    : { ثم رفع ، ثم سجد سجودا طويلا ، ثم قام قياما طويلا ، وهو دون القيام الأول ، ثم ركع ركوعا طويلا ، وهو دون الركوع الأول ، ثم سجد سجودا طويلا ، وهو دون السجود الأول   } . رواه  البخاري    . وترك ذكره في حديث لا يمنع مشروعيته إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم . وأما الجهر فقد روي عن علي  رضي الله عنه وفعله  عبد الله بن زيد  وبحضرته  البراء بن عازب   وزيد بن أرقم  ، وبه قال  أبو يوسف  ، وإسحاق  ،  وابن المنذر    . 
وروت  عائشة  ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الخسوف   } . متفق عليه . وعن عروة  ، عن  عائشة  ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف ، وجهر فيها بالقراءة   } . قال الترمذي    : هذا حديث حسن صحيح . ولأنها نافلة شرعت لها الجماعة ، فكان من سننها الجهر كصلاة الاستسقاء والعيد  [ ص: 144 ] والتراويح . فأما قول عائشة  رضي الله عنها : حزرت قراءته . ففي إسناده مقال ; لأنه من رواية  ابن إسحاق    . 
ويحتمل أن تكون سمعت صوته ولم تفهم للبعد ، أو قرأ من غير أول القرآن بقدر البقرة . ثم حديثنا صحيح صريح ، فكيف يعارض بمثل هذا ، وحديث سمرة  يجوز أنه لم يسمع لبعده ; فإن في حديثه : دفعت إلى المسجد ، وهو بازر . يعني مغتصا بالزحام . قاله  الخطابي    . ومن هذا حاله لا يصل مكانا يسمع منه . 
ثم هذا نفي محتمل لأمور كثيرة ، فكيف يترك من أجله الحديث الصحيح الصريح ، وقياسهم منتقض بالجمعة والعيدين والاستسقاء ، وقياس هذه الصلاة على هذه الصلوات أولى من قياسها على الظهر ; لبعدها منها ، وشبهها بهذه . وأما الدليل على صفة الصلاة  ، فروت عائشة  ، قالت : { خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد ، فقام ، وكبر ، وصف الناس وراءه ، فاقترأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة ، ثم كبر فركع ركوعا طويلا ، ثم رفع رأسه ، فقال : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد . ثم قام فاقترأ قراءة طويلة ، هي أدنى من القراءة الأولى ، ثم كبر فركع ركوعا طويلا ، هو أدنى من الركوع الأول ، ثم قال : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ، ثم سجد ، ثم فعل في الركعة الأولى مثل ذلك ، حتى استكمل أربع ركعات ، وأربع سجدات ، وانجلت الشمس قبل أن ينصرف .   } وعن  ابن عباس  مثل ذلك ، وفيه { أنه قام في الأولى قياما طويلا نحوا من سورة البقرة   } . متفق عليهما . 
ولأنها صلاة يشرع لها الاجتماع ، فخالفت سائر النوافل ، كصلاة العيدين والاستسقاء ، فأما أحاديثهم فمتروكة غير معمول بها باتفاقنا ، فإنهم قالوا : يصلي ركعتين . وحديث النعمان  فيه أنه يصلي ركعتين ، ثم ركعتين حتى انجلت الشمس ، وحديث قبيصة  فيه أنه يصلي كأحدث صلاة صليتموها . وأحد الحديثين يخالف الآخر . 
ثم حديث قبيصة  مرسل . ثم يحتمل أنه صلى ركعتين في كل ركعة ركوعين ، ولو قدر التعارض لكان الأخذ بأحاديثنا أولى ; لصحتها وشهرتها ، واتفاق الأئمة على صحتها ، والأخذ بها ، واشتمالها على الزيادة ، والزيادة من الثقة مقبولة ، ثم هي نافلة عن العادة ، وقد روي عن  عروة  أنه قيل له : إن أخاك صلى ركعتين . فقال : إنه أخطأ السنة . ( 1465 ) فصل : ومهما قرأ به جاز سواء كانت القراءة طويلة أو قصيرة . 
وقد روي عن  عائشة  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في كسوف الشمس والقمر أربع ركعات ، وأربع سجدات ، وقرأ في الأولى بالعنكبوت والروم ، وفي الثانية بيس . أخرجه  الدارقطني    . ( 1466 ) فصل : ولم يبلغنا عن  أحمد  ، رحمه الله أن لها خطبة ، وأصحابنا على أنها لا خطبة لها    . وهذا مذهب  مالك  ، وأصحاب الرأي . 
وقال  الشافعي    : يخطب كخطبتي الجمعة ; لما روت  عائشة  رضي الله عنها { ، أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف وقد انجلت الشمس ، فخطب الناس ، وحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله ، وكبروا ، وصلوا ، وتصدقوا ثم قال : يا أمة محمد  ، والله ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته ، يا أمة محمد  لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا   } . متفق عليه . 
 [ ص: 145 ] ولنا ، هذا الخبر ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالصلاة والدعاء والتكبير والصدقة ، ولم يأمرهم بخطبة ، ولو كانت سنة لأمرهم بها ، ولأنها صلاة يفعلها المنفرد في بيته ، فلم يشرع لها خطبة ، وإنما خطب النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة ليعلمهم حكمها ، وهذا مختص به ، وليس في الخبر ما يدل على أنه خطب كخطبتي الجمعة . ( 1467 ) فصل : ويستحب ذكر الله تعالى ، والدعاء ، والتكبير ، والاستغفار ، والصدقة ، والعتق  ، والتقرب إلى الله تعالى بما استطاع ; لخبر عائشة  هذا . 
وفي خبر  أبي موسى    : " فافزعوا إلى ذكر الله تعالى ، ودعائه ، واستغفاره " . وروي عن  أسماء  ، { أنها قالت : إن كنا لنؤمر بالعتق في الكسوف   } . ولأنه تخويف من الله تعالى ، فينبغي أن يبادر إلى طاعة الله تعالى ، ليكشفه عن عباده ( 1468 ) فصل : ومقتضى مذهب  أحمد  أنه يجوز أن يصلي صلاة الكسوف على كل صفة رويت  عن النبي صلى الله عليه وسلم كقوله في صلاة الخوف ، إلا أن اختياره من ذلك الصلاة على الصفة التي ذكرنا . 
قال  أحمد  ، رحمه الله : روى  ابن عباس  ، وعائشة  ، في صلاة الكسوف أربع ركعات وأربع سجدات ، وأما  علي  فيقول : ست ركعات وأربع سجدات . فذهب إلى قول  ابن عباس  وعائشة    . وروي عن  ابن عباس  ، أنه صلى ست ركعات وأربع سجدات . وكذلك  حذيفة    . 
وهذا قول إسحاق  ،  وابن المنذر    . وبعض أهل العلم قالوا : تجوز صلاة الكسوف على كل صفة صح أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها ، وقد روي عن عائشة   وابن عباس  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ست ركعات ، وأربع سجدات . أخرجه  مسلم    . وروي عنه أنه صلى أربع ركعات ، وسجدتين ، في كل ركعة . رواه  مسلم  ،  والدارقطني  ، بإسناده عن  طاوس  ، عن  ابن عباس  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . 
قال  ابن المنذر    : وروينا عن  علي  ،  وابن عباس  ، أنهما صليا هذه الصلاة . وحكي عن إسحاق  أنه قال : وجه الجمع بين هذه الأحاديث ، أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يزيد في الركوع إذا لم ير الشمس قد انجلت ، فإذا انجلت سجد ، فمن هاهنا صارت زيادة الركعات ، ولا يجاوز أربع ركعات في كل ركعة ; لأنه لم يأتنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ذلك . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					