قال المصنف    - رحمه الله تعالى - : ( وإن زوحم المأموم عن السجود في الجمعة  نظرت فإن قدر أن يسجد على ظهر إنسان لزمه أن يسجد ; لما روي عن  عمر  رضي الله عنه أنه قال : { إذا اشتد الزحام فليسجد ، أحدكم على ظهر أخيه   } وقال بعض أصحابنا : فيه قول آخر قاله في القديم : أنه بالخيار ، إن شاء سجد على ظهر إنسان وإن شاء ترك حتى يزول الزحام ; لأنه إذا سجد حصلت له فضيلة المتابعة ، وإذا انتظر زوال الزحمة حصلت له فضيلة السجود على الأرض فخير بين الفضيلتين ، والأول أصح ; لأن ذلك يبطل بالمريض إذا عجز عن السجود على الأرض فإنه يسجد على حسب حاله ولا يؤخر ، وإن كان في التأخير فضيلة السجود على  [ ص: 434 ] الأرض ، وإن لم يقدر على السجود بحال انتظر حتى يزول الزحام ، فإن زال الزحام - لم يخل إما أن يدرك الإمام قائما أو راكعا أو رافعا من الركوع أو ساجدا - فإن أدركه قائما سجد ، ثم تبعه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز ذلك بعسفان  للعذر ، والعذر هنا موجود ، فوجب أن يجوز فإن فرغ من السجود فأدرك الإمام راكعا في الثانية ففيه وجهان ( أحدهما ) : يتبعه في الركوع ولا يقرأ ، كمن حضر ، والإمام راكع ( والثاني ) : أنه يشتغل بما عليه من القراءة ; لأنه أدرك مع الإمام محل القراءة بخلاف من حضر والإمام راكع . 
( فصل ) فإن زال الزحام فأدرك الإمام رافعا من الركوع أو ساجدا سجد معه    ; لأن هذا موضع سجوده وحصلت له ركعة ملفقة ، وهل يدرك بها الجمعة ؟ فيه وجهان ، قال  أبو إسحاق    : يدرك لقوله صلى الله عليه وسلم { من أدرك من الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى   } وقال  أبو علي بن أبي هريرة    : لا يدرك ; لأن الجمعة صلاة كاملة ، فلا تدرك إلا بركعة كاملة وهذه ركعة ملفقة . 
( فصل ) إن زال الزحام وأدرك الإمام راكعا  ففيه قولان ( أحدهما ) : يشتغل بقضاء ما فاته ثم يركع ; لأنه شارك الإمام في جزء من الركوع ، فوجب أن يسجد كما لو زالت الزحمة فأدركه قائما ( والثاني ) : يتبع الإمام في الركوع ; لأنه أدرك الإمام راكعا ، فلزمه متابعته كمن دخل في صلاة ، والإمام فيها راكع فإن قلنا : إنه يركع معه - نظرت - فإن فعل ما قلناه وركع حصل له ركوعان ، وبأيهما يحتسب ؟ فيه قولان ( أحدهما ) : يحتسب بالثاني كالمسبوق إذا أدرك الإمام راكعا فركع معه ( والثاني ) : يحتسب بالأول ; لأنه قد صح الأول ، فلم يبطل بترك ما بعده كما لو ركع ونسي السجود فقام أو ركع ثم سجد ، فإن قلنا : إنه يحتسب بالثاني حصل له مع الإمام ركعة فإذا سلم أضاف [ إليها ] أخرى وسلم وإذا قلنا : يحتسب بالأول حصل له ركعة ملفقة ; لأن القيام والقراءة والركوع حصل له من الركعة الأولى وحصل له السجود من الثانية ، وهل يصير مدركا للجمعة ؟ فيه وجهان قال  أبو إسحاق    : يكون مدركا ، وقال  ابن أبي هريرة    : لا يكون مدركا فإذا قلنا بقول  أبي إسحاق  أضاف إليها أخرى وسلم ، وإذا قلنا بقول  ابن أبي هريرة  قام وصلى ثلاث ركعات وجعلها ظهرا . 
ومن أصحابنا من قال : يجب أن يكون فيه وجهان بناء على القولين فيمن صلى الظهر قبل أن يصلي الإمام الجمعة ، وهذا قد صلى ركعة من الظهر قبل فراغ الإمام من الجمعة فلزمه أن يستأنف الظهر بعد فراغه وقال شيخنا  القاضي أبو الطيب الطبري    : الصحيح هو الأول والبناء على القولين لا يصح ; لأن القولين فيمن صلى الظهر قبل فراغ الإمام من الجمعة من غير عذر ، والمزحوم معذور فلم تجب عليه إعادة الركعة التي صلاها قبل فراغ الإمام ، ولأن القولين فيمن ترك الجمعة وصلى الظهر منفردا ; وهذا قد دخل مع الإمام في الجمعة فلم تجب  [ ص: 435 ] عليه إعادة ما فعل ; كما لو أدرك الإمام ساجدا في الركعة الأخيرة فإنه يتابعه ثم يبنى الظهر على ذلك الإحرام ولا يلزمه الاستئناف . 
وإن خالف ما قلناه واشتغل بقضاء ما فاته فإن اعتقد أن السجود فرضه لم يعد سجوده ; لأنه سجد في موضع الركوع ولا تبطل صلاته ; لأنه زاد فيها زيادة من جنسها جاهلا فهو كمن زاد في صلاته من جنسها ساهيا ، وإن اعتقد أن فرضه المتابعة فإن لم ينو مفارقته بطلت صلاته ; لأنه سجد في موضع الركوع عامدا ، وإن نوى مفارقة الإمام ففيه قولان . 
( أحدهما ) : تبطل صلاته . 
( والثاني ) : لا تبطل ويكون فرضه الظهر . 
وهل يبني أو يستأنف الإحرام بعد فراغ الإمام ؟ على القولين في غير المعذور إذا صلى الظهر قبل صلاة الإمام . 
وأما إذا قلنا : إن فرضه الاشتغال بما فاته نظرت فإن فعل ما قلناه وأدرك الإمام راكعا تبعه فيه ويكون مدركا للركعتين ، وإن أدركه ساجدا فهل يشتغل بقضاء ما فاته ؟ أو يتبعه في السجود ؟ فيه وجهان . 
( أحدهما ) : يشتغل بقضاء ما فاته ; لأن على هذا القول الاشتغال بالقضاء أولى من المتابعة ، ومنهم من قال : يتبعه في السجود ، وهو الأصح ; لأن هذه الركعة لم يدرك منها شيئا يحتسب له به فهو كالمسبوق إذا أدرك الإمام ساجدا ، بخلاف الركعة الأولى ، فإن هناك أدرك الركوع وما قبله ، فلزمه أن يفعل ما بعده من السجود . 
فإذا قلنا : يسجد كان مدركا للركعة الأولى إلا أن بعضها أدركه فعلا ، وبعضها أدركه حكما ; لأنه تابعه إلى السجود ، ثم انفرد بفعل السجدتين ، وهل يدرك بهذه الركعة الجمعة ؟ على وجهين ; لأنه إدراك ناقص فهو كالتلفيق في الركعة ، وإن سلم الإمام قبل أن يسجد المأموم السجدتين  لم يكن مدركا للجمعة - قولا واحدا - وهل يستأنف الإحرام ؟ أو يبني على ما ذكرناه من الطريقين ؟ فإن خالف ما قلناه وتبعه في الركوع - فإن كان معتقدا أن فرضه الاشتغال بالسجود - بطلت صلاته ; لأنه ركع في موضع السجود عامدا ، وإن اعتقد أن فرضه المتابعة لم تبطل صلاته ; لأنه زاد في الصلاة من جنسها جاهلا ، ويحتسب بهذا السجود ويحصل له ركعة ملفقة . 
وهل يصير مدركا للجمعة ؟ على الوجهين ; وإن زوحم عن السجود وزالت الزحمة والإمام قائم في الثانية ، وقضى ما عليه وأدركه قائما أو راكعا فتابعه فلما سجد في الثانية زحم عن السجود فزال الزحام ، وسجد ورفع رأسه وأدرك الإمام في التشهد فقد أدرك الركعتين ، بعضهما فعلا وبعضهما حكما ، وهل يكون مدركا للجمعة ؟ على الوجهين ، وإن ركع مع الإمام الركعة الأولى ثم سها حتى صلى الإمام هذه الركعة وحصل في الركوع في الثانية قال القاضي  أبو حامد    : يجب أن يكون على قولين كالزحام ، ومن أصحابنا من قال : يتبعه - قولا واحدا - ; لأنه مفرط في السهو ، فلم يعذر في الانفراد عن الإمام وفي الزحام غير مفرط ، فعذر في الانفراد عن الإمام ) . 
     	
		
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					