[ ص: 258 ] مسألة : ( ولا يصح الحج من كافر ، ولا مجنون    ) . 
أما الكافر : فإن الله سبحانه وتعالى قال : ( إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا    ) . 
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادى في الموسم : لا يحجن بعد العام مشرك ؛ ولأن الحج عبادة ، والكافر لا تصح منه العبادات  ؛ ولأنه مخصوص بالحرم ، والكافر ممنوع من دخول الحرم    . 
وإذا ارتد بعد الإحرام  بطل إحرامه ؛ لأن الردة تبطل جميع العبادات من الطهارة ، والصلاة ، والصوم ، والاعتكاف . 
وأما المجنون فقسمان : 
أحدهما : الجنون المطبق ، مثل المعتوه ونحوه ، فهذا لا يصح حجه عند أكثر أصحابنا ، وقال أبو بكر    : فإن حج بالصبي أو العبد أو الأعرابي أو المعتوه أو المجنون لم تجزهم عن حجة الإسلام ، وأجزأت الصبي ، والعبد ، والأعرابي ، والمعتوه ؛ إن ماتوا قبل البلوغ ، وإن بلغوا فعليهم الحج كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يفعل وقوف عرفة  وهو صحيح لم يجزه ، إلا   [ ص: 259 ] الصبي   " فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " وله حج ، ولأمه ولك أجر   " . 
فهذا الكلام يقتضي صحة حجة المعتوه  ؛ لأن أكثر ما فيه أنه مسلوب العقل ، وذلك لا يمنع صحة حجه كالصبي . 
ووجه المشهور : أن المجنون لا يصح منه شيء من العبادات  ، وإنما هو بمنزلة البهيمة ، والفرق بينه وبين الصبي الصغير أن هذا له عمل وحركة بنفسه من غير عقل ولا تمييز ، فأشبه البهيمة ، وعكسه الصبي فإن غيره هو الذي يعمل به فجاز أن يحرم به ؛ ولأن الإحرام إنما يعقده وليه ، ووليه لا يقدر أن يجنبه محظورات الإحرام بخلاف الصبي ؛ ولأن الصبي لما عدم كمال العقل عدم ما يحتاج إلى العقل ، فعدمه في حقه ليس نقصا ، والمجنون سلب العقل مع وجود ما يحتاج إلى العقل . 
 [ ص: 260 ] الثاني : أن يجن بعد إحرامه ، فهذا إن كان صرعا وخنقا لم يبطل إحرامه ؛ لأن هذا بمنزلة الغشي ، والإغماء ؛ لأنه يبطل الحركة لكن هو في هذه الحال بمنزلة المغمى عليه ، فلا يصح منه أركان الحج الأربعة من الإحرام ، والطواف ، والسعي ، والوقوف . فأما المبيت بالمزدلفة  ، ورمي الجمار فيصح في هذه الحال ، قاله القاضي وابن عقيل  ، وإن كان جنونا محضا لا يبطل الحركة ، فهل يبطل إحرامه ؟ على وجهين ذكرهما ابن عقيل  ، أحدهما لا يبطل فلو قتل بعد ذلك صيدا ضمنه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					