[ ص: 104 ]   ( فصل ) 
وقد أطلق أحمد  القول بأن العمرة واجبة ، وأن العمرة فريضة في رواية جماعة منهم أبو طالب  والفضل  وحرب  ، وكذلك أطلقه كثير من أصحابه ، منهم ابن أبي موسى  ، وقال في رواية  الأثرم    - وقد سئل عن أهل مكة     - فقال : أهل مكة   ليس عليهم عمرة إنما قال : الله تعالى - : ( ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام    ) فقيل له : إنما ذاك في الهدي في المتعة فقال : كان  ابن عباس  يرى المتعة واجبة ، ويقول : "يا أهل مكة  ليس عليكم عمرة إنما عمرتكم طوافكم بالبيت   " . قيل له : كأن إقامتهم بمكة  يجزيهم من العمرة ؟ فقال : نعم . وكذلك قال في رواية ابن الحكم    : ليس على أهل مكة  عمرة   [ ص: 105 ] لأنهم يعتمرون في كل يوم يطوفون بالبيت فمن أراد منهم أن يعتمر خرج إلى التنعيم  ، أو تجاوز الحرم . وقال - في رواية الميموني    - : ليس على أهل مكة   عمرة ، وإنما العمرة لغيرهم ، قال : الله تعالى : ( ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام    ) إلا أن  ابن عباس  قال : " يا أهل مكة   من أراد منكم العمرة فليجعل بينه ، وبينها بطن محسر   " . وإذا أراد المكي وغيره العمرة أهل من الحل  وأدناه التنعيم  ، ولأصحابنا في هذا ثلاثة طرق : - 
أحدها : أن المسألة رواية واحدة بوجوبها على المكي وغيره ، وأن قوله ليس عليهم متعة يعني في زمن الحج لأن أهل الأمصار غالبا إنما يعتمرون أيام الموسم ، وأهل مكة   يعتمرون في غير ذلك الوقت ، قاله القاضي   [ ص: 106 ] قديما قال : لأنه قال : لأنهم يعتمرون في كل يوم يطوفون بالبيت . وهذه طريقة ضعيفة . 
الثانية : أن في وجوبها على أهل مكة   روايتين : لأنه أوجبها مطلقا ، في رواية واستثنى أهل مكة   في أخرى ، وهذه طريقة القاضي أخيرا ، وابن عقيل  ، وجدي وغيرهم . 
والثالثة : أن المسألة رواية واحدة أنها لا تجب على أهل مكة   وأن مطلق كلامه محمول على مقيده ومجمله على مفسره وهذه طريقة أبي   [ ص: 107 ] بكر  وأبي محمد صاحب الكتاب  وهؤلاء يختارون وجوبها على أهل مكة     . 
ووجه عدم وجوبها ما روى  عطاء  عن  ابن عباس    -رضي الله عنهما- قال : "يا أهل مكة   ليس عليكم عمرة   " وعن عمرو بن كيسان  قال : سمعت  ابن عباس  يقول : "لا يضركم يا أهل مكة   ألا تعتمروا ، فإن أبيتم فاجعلوا بينكم وبين الحرم بطن واد   " . 
وعن  عطاء  أنه كان يقول : " يا أهل مكة   إنما عمرتكم الطواف بالبيت ، فإن كنتم لا بد فاعلين فاجعلوا بينكم وبين الحرم بطن واد   " رواهن سعيد  ، هذا مع قوله : إن العمرة واجبة . ولا يعرف له مخالف من الصحابة . 
ولأن الله - سبحانه - قال : ( ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام    ) فجعل التمتع بالعمرة إلى الحج الموجب لهدي أو صيام لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام  ، فإذا كان حاضر المسجد الحرام يفارق   [ ص: 108 ] غيره في حكم المتعة وواجباتها مفارقة في وجوب العمرة ، وأيضا فإن العمرة هي زيارة البيت وقصده ، وأهل مكة   مجاوروه وعامروه بالمقام عنده فأغناهم ذلك عن زيارته من مكان بعيد فإن الزيارة للشيء إنما تكون للأجنبي منه البعيد عنه ، وأما المقيم عنده فهو زائر دائما ، فإن مقصود العمرة إنما هو الطواف ، وأهل مكة   يطوفون في كل وقت . 
وهؤلاء الذين لا تجب عليهم العمرة هم الذين ليس عليهم هدي متعة على ظاهر كلامه في رواية  الأثرم  ، والميموني  في استدلاله بقوله تعالى - : ( ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام    ) وظاهر قوله في رواية ابن الحكم   والأثرم  أيضا - أنها إنما تسقط عن أهل مكة   وهم أهل الحرم ; لأنهم هم المقيمون بمكة  ، والطوافون بالبيت . فأما المجاور بالبيت فقال  عطاء    : هو بمنزلة أهل مكة   
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					