الفصل الثالث : أنه يجب استيعاب محل الفرض  لقوله تعالى : ( بوجوهكم وأيديكم    ) ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فتمسح بها وجهك وكفيك   ) . 
وهذا يزيح ما لعله يتوهم في الباء من تبعيض ، فأما ما يشق إيصال التراب إليه كباطن الشعور الخفيفة والكثيفة ، فلا ؛ لما فيه من المشقة ، ولأن الواجب ضربة أو بعض ضربة للوجه ، وبذلك لا يصل التراب إلى أثناء الشعر . 
ويجب عليه أن ينقل الصعيد إلى الوجه واليد فإن نسفته الريح بغير قصد العبادة على وجهه ويديه ، ثم نوى ومسح وجهه بما عليه ويديه بما عليهما ، لم يجزئه ، بخلاف مسح الرأس على إحدى الروايتين ؛ لأن الله تعالى أمره أن يقصد الصعيد ، وأن يمسح به ولم يأمره في الوضوء إلا بالمسح ، فإن نقل ما على الوجه إلى اليد أو بالعكس جاز لأنه تيمم الصعيد ومسح به ، وسواء نقله   [ ص: 421 ] بيده أو بخرقة في أقوى الوجهين ، كما لو نقله غيره بإذنه ، فإن صمد للريح حتى نسفته كان نقلا في أقوى الوجهين لأنه بقصده انتقل . 
ثم هل يجب عليه أن يمسحه بيده أو غيرها ؟ فيه وجهان : 
أحدهما : يجب ، اختاره الشريف أبو جعفر  وغيره لأنه أوصل الطهور إلى محله ، كما لو تمرغ في التراب كما فعل عمار    . 
والثاني : لا يجوز وهو أشبه بما رجحوه في الوضوء لأنه لا يسمى مسحا ، وكذلك لو وضع يده المغبرة على وجهه من غير إمرار ، أو ذرى التراب على وجهه ، وأما التمرغ فإنما يجزئ به في المشهور ؛ لأنه مسح إذ لا فرق بين إمرار محل التراب على الوجه أو إمرار الوجه على محل التراب ، ولو وضع يده على التراب فعلق بها من غير ضرب جاز . 
والترتيب والموالاة  واجبان في التيمم كالوضوء عند جماهير أصحابنا ، قال أحمد    : يبدأ بالوجه ثم الكفين في التيمم ، ومنهم من قال : لا يجب هنا وإن أوجبناه في الوضوء ؛ لأن التيمم بضربة واحدة جائز  ، وإذا مسح وجهه بباطن أصابعه لم يجب عليه أن يمسحه بعد وجهه ، بل لو مسح وجهه بجميع باطن يديه وبقي به غبار يكفي لظاهرهما لم يعد مسح الباطن بعد الوجه ، صرح به جماعة من أصحابنا ، فقد سقط الترتيب في اليد ، فكذلك في ظاهرها . 
ووجهه المشهور أن الترتيب سقط في باطن اليد ضرورة ، فإنا إن أوجبنا مسحه مرتين كان خلاف قاعدة التيمم فيجب من الترتيب ما يمكن لقوله : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم   ) ، ولأن مسح باطن اليد لما حصل تبعا لمسح الوجه سقط الترتيب كما سقط عن أعضاء الوضوء إذا أدخلت في الغسل تبعا ، على أن قول بعض أصحابنا يقتضي الترتيب مطلقا في الجميع   [ ص: 422 ] على ظاهر الآية والحديث . فأما الترتيب عن الجنابة فقال القاضي أبو الحسين    : يجب فيه الترتيب هنا اعتبارا بأصله ، ولأن عمارا  لما تمعك لم يؤمر بإعادة الصلاة ، ولأنه صلى الله عليه وسلم قال له : ( إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا ، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين ، وظاهر كفيه ووجهه ) رواه مسلم    . 
وفي لفظ ( ثم مسح كل واحدة منهما بصاحبتها ثم بهما وجهه   ) رواه أحمد   وأبو داود  بإسناد صحيح . 
				
						
						
