أما قوله : ( وتب علينا    ) ففيه مسائل : 
المسألة الأولى : احتج من جوز الذنب على الأنبياء  بهذه الآية قال : لأن التوبة مشروطة بتقدم الذنب ، فلولا تقدم الذنب وإلا لكان طلب التوبة طلبا للمحال ، وأما المعتزلة  فقالوا : إنا نجوز الصغيرة على الأنبياء فكانت هذه التوبة توبة من الصغيرة ، ولقائل أن يقول : إن الصغائر قد صارت مكفرة بثواب فاعلها وإذا صارت مكفرة فالتوبة عنها محال ، لأن تأثير التوبة في إزالتها ، وإزالة الزائل محال . 
وههنا أجوبة أخر تصلح لمن جوز الصغائر ولمن لم يجوزها ، وهي من وجوه : 
أولها : يجوز أن يأتي بصورة التوبة تشددا في الانصراف عن المعصية ؛ لأن من تصور نفسه بصورة النادم العازم على التحرز الشديد ، كان أقرب إلى ترك المعاصي ، فيكون ذلك لطفا داعيا إلى ترك المعاصي . 
وثانيها : أن العبد وإن اجتهد في طاعة ربه فإنه لا ينفك عن التقصير من بعض الوجوه : إما على سبيل السهو ، أو على سبيل ترك الأولى ، فكان هذا الدعاء لأجل ذلك . 
وثالثها : أنه تعالى لما أعلم إبراهيم  عليه السلام أن في ذريته من يكون ظالما عاصيا ، لا جرم سأل ههنا أن يجعل بعض ذريته أمة مسلمة ، ثم طلب منه أن يوفق أولئك العصاة المذنبين للتوبة فقال : ( وتب علينا    ) أي على المذنبين من ذريتنا ، والأب المشفق على ولده إذا أذنب ولده فاعتذر الوالد عنه فقد يقول : أجرمت وعصيت وأذنبت فاقبل عذري ويكون مراده : إن ولدي أذنب فاقبل عذره ، لأن ولد الإنسان يجري مجرى نفسه ، والذي يقوي هذا التأويل وجوه : 
الأول : ما حكى الله تعالى في سورة إبراهيم أنه قال : ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام  رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم    ) [إبراهيم : 36 ، 35] فيحتمل أن يكون المعنى : ومن عصاني فإنك قادر على أن تتوب عليه إن تاب ، وتغفر له ما سلف من ذنوبه . 
الثاني : ذكر أن في قراءة عبد الله    : وأرهم مناسكهم وتب عليهم . 
الثالث : أنه قال عطفا على هذا : ( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم    ) . 
الرابع : تأولوا قوله تعالى : ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم    ) [الأعراف : 11] بجعل خلقه إياه خلقا لهم إذ كانوا منه ، فكذلك لا يبعد أن يكون قوله : ( وأرنا مناسكنا    ) أي أرنا ذريتنا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					