( ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا    ) 
قوله تعالى : ( ما ظننتم أن يخرجوا    ) . 
قال  ابن عباس    : إن المسلمين ظنوا أنهم لعزتهم وقوتهم لا يحتاجون إلى أن يخرجوا من ديارهم ، وإنما ذكر الله تعالى ذلك تعظيما لهذه النعمة ، فإن النعمة إذا وردت على المرء والظن بخلافه تكون أعظم ، فالمسلمون ما ظنوا أنهم يصلون إلى مرادهم في خروج هؤلاء اليهود  ، فيتخلصون من ضرر مكايدهم ، فلما تيسر لهم ذلك كان توقع هذه النعمة أعظم . 
قوله تعالى : ( وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله    ) . 
قالوا : كانت حصونهم منيعة ، فظنوا أنها تمنعهم من رسول الله ، وفي الآية تشريف عظيم لرسول الله ، فإنها تدل على أن معاملتهم مع رسول الله هي بعينها نفس المعاملة مع الله ، فإن قيل : ما الفرق بين قولك : ظنوا أن حصونهم تمنعهم أو مانعتهم وبين النظم الذي جاء عليه ، قلنا : في تقديم الخبر على المبتدأ دليل على فرط وثوقهم بحصانتها ومنعها إياهم ، وفي تصيير ضميرهم اسما وإسناد الجملة إليه دليل على اعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة لا يبالون بأحد يطمع في منازعتهم ، وهذه المعاني لا تحصل في قولك : وظنوا أن حصونهم تمنعهم . 
قوله تعالى : ( فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا    ) في الآية مسائل : 
المسألة الأولى : في الآية وجهان : 
الأول : أن يكون الضمير في قوله : ( فأتاهم    ) عائد إلى اليهود  ، أي فأتاهم عذاب الله وأخذهم من حيث لم يحتسبوا . 
والثاني : أن يكون عائدا إلى المؤمنين ، أي فأتاهم نصر الله وتقويته من حيث لم يحتسبوا  ، ومعنى : لم يحتسبوا ، أي لم يظنوا ، ولم يخطر ببالهم ، وذلك بسبب أمرين : 
أحدهما : قتل رئيسهم كعب بن الأشرف  على يد أخيه غيلة ، وذلك مما أضعف قوتهم ، وفتت عضدهم ، وفل من شوكتهم . 
والثاني : بما قذف في قلوبهم من الرعب . 
المسألة الثانية : قوله : ( فأتاهم الله    ) لا يمكن إجراؤه على ظاهره باتفاق جمهور العقلاء ، فدل على أن باب التأويل مفتوح  ، وأن صرف الآيات عن ظواهرها بمقتضى الدلائل العقلية  جائز . 
المسألة الثالثة : قال صاحب الكشاف : قرئ " فآتاهم الله " أي فآتاهم الهلاك ، واعلم أن هذه القراءة لا تدفع ما بيناه من وجوه التأويل ؛ لأن هذه القراءة لا تدفع القراءة الأولى ، فإنها ثابتة بالتواتر ، ومتى كانت ثابتة بالتواتر لا يمكن دفعها ، بل لا بد فيها من التأويل . 
				
						
						
