أما قوله تعالى : ( فلم تقتلون أنبياء الله من قبل    )  ففيه مسائل : 
المسألة الأولى : أنه سبحانه وتعالى بين من جهة أخرى أن دعواهم كونهم مؤمنين بالتوراة متناقضة من وجوه أخر ، وذلك لأن التوراة دلت على أن المعجزة تدل على الصدق ودلت على أن من كان صادقا في   [ ص: 170 ] ادعاء النبوة فإن قتله كفر ، وإذا كان الأمر كذلك كان السعي في قتل يحيى  وزكريا  وعيسى  عليهم السلام كفرا فلم سعيتم في ذلك إن صدقتم في ادعائكم كونكم مؤمنين بالتوراة . 
المسألة الثانية : هذه الآية دالة على أن المجادلة في الدين من حرف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأن إيراد المناقضة على الخصم جائز . 
المسألة الثالثة : قوله : ( فلم تقتلون    ) وإن كان خطاب مشافهة لكن المراد من تقدم من سلفهم ويدل عليه وجوه : 
أحدها : أن الأنبياء في ذلك الزمان ما كانوا موجودين . 
وثانيها : أنهم ما أقدموا على ذلك . 
وثالثها : أنه لا يتأتى فيه من قبل . 
فأما المراد به الماضي فظاهر لأن القرينة دالة عليه . فإن قيل قوله : ( آمنوا    ) خطاب لهؤلاء الموجودين : و ( فلم تقتلون    ) حكاية فعل أسلافهم فكيف وجه الجمع بينهما ؟ قلنا معناه : أنكم بهذا التكذيب خرجتم من الإيمان بما آمنتم كما خرج أسلافكم بقتل بعض الأنبياء عن الإيمان بالباقين . 
المسألة الرابعة : يقال كيف جاز قوله : لم تقتلون من قبل ولا يجوز أن يقال : أنا أضربك أمس ؟ والجواب فيه قولان : 
أحدهما : أن ذلك جائز فيما كان بمنزلة الصفة اللازمة كقولك لمن تعرفه بما سلف من قبح فعله : ويحك لم تكذب ؟ كأنك قلت : لم يكن هذا من شأنك . قال الله تعالى : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين    ) [ البقرة : 102 ] ولم يقل ما تلت لأنه أراد من شأنها التلاوة . 
والثاني : كأنه قال : لم ترضون بقتل الأنبياء من قبل إن كنتم آمنتم بالتوراة ؟ والله أعلم . 
				
						
						
