( ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا  ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزا حكيما    ) . 
ثم قوله تعالى : ( ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا  ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزا حكيما    ) . 
 [ ص: 73 ] واعلم أنه قدم المنافقين على المشركين في الذكر في كثير من المواضع  لأمور أحدها : أنهم كانوا أشد على المؤمنين من الكافر المجاهر ؛ لأن المؤمن كان يتوقى المشرك المجاهر وكان يخالط المنافق لظنه بإيمانه ، وهو كان يفشي أسراره ، وإلى هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك   " والمنافق على صورة الشيطان  فإنه لا يأتي الإنسان على أني عدوك ، وإنما يأتيه على أني صديقك ، والمجاهر على خلاف الشيطان من وجه ، ولأن المنافق كان يظن أن يتخلص للمخادعة ، والكافر لا يقطع بأن المؤمن إن غلب يفديه ، فأول ما أخبر الله أخبر عن المنافق ، وقوله : ( الظانين بالله ظن السوء    ) هذا الظن يحتمل وجوها : 
أحدها : هو الظن الذي ذكره الله في هذه السورة بقوله : ( بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول    ) [الفتح : 12] . 
ثانيها : ظن المشركين بالله في الإشراك  كما قال تعالى : ( إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم    ) [النجم : 23] إلى أن قال : ( إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا    ) [النجم : 28] . ثالثها : ظنهم أن الله لا يرى ولا يعلم كما قال : ( ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون    ) [فصلت : 22] والأول أصح أو نقول : المراد جميع ظنونهم حتى يدخل فيه ظنهم الذي ظنوا أن الله لا يحيي الموتى ، وأن العالم خلقه باطل ، كما قال تعالى : ( ذلك ظن الذين كفروا    ) [ص : 27] ويؤيد هذا الوجه الألف واللام الذي في السوء وسنذكره في قوله : ( ظن السوء    ) وفيه وجوه : 
أحدها : ما اختاره المحققون من الأدباء ، وهو أن السوء صار عبارة عن الفساد ، والصدق عبارة عن الصلاح يقال : مررت برجل سوء أي فاسد ، وسئلت عن رجل صدق أي صالح ، فإذا كان مجموع قولنا رجل سوء يؤدي معنى قولنا فاسد ، فالسوء وحده يكون بمعنى الفساد ، وهذا ما اتفق عليه الخليل  والزجاج  واختاره  الزمخشري  ، وتحقيق هذا أن السوء في المعاني كالفساد في الأجساد ، يقال : ساء مزاجه ، وساء خلقه ، وساء ظنه ، كما يقال : فسد اللحم وفسد الهواء ، بل كل ما ساء فقد فسد وكل ما فسد فقد ساء غير أن أحدهما كثير الاستعمال في المعاني والآخر في الأجرام قال الله تعالى : ( ظهر الفساد في البر والبحر    ) [الروم : 41] وقال : ( ساء ما كانوا يعملون    ) [التوبة : 9] هذا ما يظهر لي من تحقيق كلامهم . 
ثم قال تعالى : ( عليهم دائرة السوء    ) أي دائرة الفساد وحاق بهم الفساد بحيث لا خروج لهم منه . 
ثم قال تعالى : ( وغضب الله عليهم    ) زيادة في الإفادة لأن من كان به بلاء فقد يكون مبتلى به على وجه الامتحان فيكون مصابا لكي يصير مثابا ، وقد يكون مصابا على وجه التعذيب فقوله : ( وغضب الله عليهم    ) إشارة إلى أن الذي حاق بهم على وجه التعذيب وقوله : ( ولعنهم    ) زيادة إفادة لأن المغضوب عليه قد يكون بحيث يقنع الغاضب بالعتب والشتم أو الضرب ، ولا يفضي غضبه إلى إبعاد المغضوب عليه من جنابه وطرده من بابه ، وقد يكون بحيث يفضي إلى الطرد والإبعاد فقال : ( ولعنهم    ) لكون الغضب شديدا ، ثم لما بين حالهم في الدنيا بين مآلهم في العقبى قال : ( وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا    ) وقوله : ( ساءت    ) إشارة لمكان التأنيث في جهنم يقال : هذه الدار نعم المكان ، وقوله تعالى : ( ولله جنود السماوات والأرض    ) قد تقدم تفسيره ، وبقي فيه مسائل : 
المسألة الأولى : ما الفائدة في الإعادة ؟ نقول : لله جنود الرحمة وجنود العذاب أو جنود الله إنزالهم قد يكون للرحمة ، وقد يكون للعذاب ، فذكرهم أولا لبيان الرحمة بالمؤمنين قال تعالى : ( وكان بالمؤمنين رحيما    ) [الأحزاب : 43] . وثانيا : لبيان إنزال العذاب على الكافرين    . 
 [ ص: 74 ] المسألة الثانية : قال هناك : ( وكان الله عليما حكيما    ) [النساء : 17] وهنا : ( وكان الله عزيزا حكيما    ) لأن قوله : ( ولله جنود السماوات والأرض    ) قد بينا أن المقصود من ذكرهم الإشارة إلى شدة العذاب فذكر العزة كما قال تعالى : ( أليس الله بعزيز ذي انتقام    ) [الزمر : 37] وقال تعالى : ( فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر    ) [القمر : 42] وقال تعالى : ( العزيز الجبار    ) [الحشر :23] . 
المسألة الثالثة : ذكر جنود السماوات والأرض قبل إدخال المؤمنين الجنة  ، وذكرهم ههنا بعد ذكر تعذيب الكفار وإعداد جهنم ، نقول : فيه ترتيب حسن لأن الله تعالى ينزل جنود الرحمة فيدخل المؤمنين مكرمين معظمين الجنة ثم يلبسهم خلع الكرامة بقوله : ( ويكفر عنهم سيئاتهم    ) كما بينا ثم تكون لهم القربى والزلفى بقوله : ( وكان ذلك عند الله فوزا عظيما    ) وبعد حصول القرب والعندية لا تبقى واسطة الجنود ، فالجنود في الرحمة أولا ينزلون ويقربون آخرا . وأما في الكافر فيغضب عليه أولا فيبعد ويطرد إلى البلاد النائية عن ناحية الرحمة وهي جهنم ويسلط عليهم ملائكة العذاب وهم جنود الله كما قال تعالى : ( عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم    ) [التحريم : 6] ولذلك ذكر جنود الرحمة أولا والقربة بقوله عند الله آخرا . وقال ههنا : ( وغضب الله عليهم ولعنهم    ) وهو الإبعاد أولا وجنود السماوات والأرض آخرا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					