أما قوله : ( قالت إحداهما ياأبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين    ) ففيه مسائل : 
المسألة الأولى : وصفته بالقوة لما شاهدت من كيفية السقي ، وبالأمانة لما حكينا من غض بصره حال ذودهما الماشية ، وحال سقيه لهما ، وحال مشيه بين يديها إلى أبيها . 
المسألة الثانية : إنما جعل ( خير من استأجرت    ) اسما و ( القوي الأمين    ) خبرا مع أن العكس أولى ؛ لأن العناية هي سبب التقديم . 
المسألة الثالثة : القوة والأمانة لا يكفيان في حصول المقصود ما لم ينضم إليهما الفطنة والكياسة  ، فلم أهمل أمر الكياسة ؟ ويمكن أن يقال : إنها داخلة في الأمانة . عن ابن مسعود  رضي الله : " أفرس الناس ثلاثة ؛ بنت شعيب  ، وصاحب يوسف  ، وأبو بكر  في عمر    " . 
أما قوله : ( قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين    ) فلا شبهة في أن هذا اللفظ ، وإن كان على الترديد لكنه عند التزويج عين ، ولا شبهة في أن العقد وقع على أقل الأجلين ، فكانت الزيادة كالتبرع ، والفقهاء ربما استدلوا به على أن العمل قد يكون مهرا كالمال ، وعلى أن إلحاق الزيادة بالثمن والمثمن جائز ، ولكنه شرع من قبلنا فلا يلزمنا  ، ويدل على أنه قد كان جائزا في تلك الشريعة أن يشرط للولي منفعة ، وعلى أنه كان جائزا في تلك الشريعة نكاح المرأة بغير بدل تستحقه المرأة ، وعلى أن عقد النكاح لا تفسده الشروط التي لا يوجبها العقد ، ثم قال : ( على أن تأجرني ثماني حجج    ) تأجرني من أجرته إذا كنت له أجيرا ، وثماني حجج ظرفه ، أو من أجرته كذا إذا أثبته إياه ، ومنه أجركم الله ورحمكم ، و ( ثماني حجج    ) مفعول به ، ومعناه رعية ( ثماني حجج    ) ثم قال : ( وما أريد أن أشق عليك    ) وفيه وجهان : 
الأول : لا أريد أن أشق عليك بإلزام إثم الرجلين ، فإن قيل : ما حقيقة قولهم : شققت عليه وشق عليه الأمر ؟ قلنا : حقيقته أن الأمر إذا تعاظمك ، فكأنه شق عليك ظنك باثنين ، تقول تارة أطيقه وتارة لا أطيقه . 
الثاني : لا أريد أن أشق عليك في الرعي ، ولكني أساهلك فيها وأسامحك بقدر الإمكان ، ولا أكلفك الاحتياط الشديد في كيفية الرعي ، وهكذا كان الأنبياء عليهم السلام آخذين بالأسمح في معاملات الناس  ، ومنه الحديث : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شريكي ، فكان خير شريك لا يداري ولا يشاري ولا يماري   " ثم قال : ( ستجدني إن شاء الله من الصالحين    ) وفيه وجهان : 
الأول : يريد بالصلاح حسن المعاملة   [ ص: 208 ] ولين الجانب . 
والثاني : يريد الصلاح على العموم ويدخل تحته حسن المعاملة ، وإنما قال : إن شاء الله ؛ للاتكال على توفيقه ومعونته . 
فإن قيل : فالعقد كيف ينعقد مع هذا الشرط ، فإنك لو قلت امرأتي طالق إن شاء الله لا تطلق ؟ قلنا : هذا مما يختلف بالشرائع . 
أما قوله تعالى : ( قال ذلك بيني وبينك    ) فاعلم أن ذلك مبتدأ ، وبيني وبينك خبره ، وهو إشارة إلى ما عاهده عليه شعيب  عليه السلام ، يريد ذلك الذي قلته وعاهدتني عليه قائم بيننا جميعا لا يخرج كلانا عنه ، لا أنا عما شرطت علي ، ولا أنت عما شرطت على نفسك ، ثم قال : ( أيما الأجلين قضيت    ) من الأجلين أطولهما الذي هو العشر أو أقصرهما الذي هو الثمان ( فلا عدوان علي    ) أي لا يعتدى علي في طلب الزيادة ، أراد بذلك تقرير أمر الخيار ؛ يعني : إن شاء هذا وإن شاء هذا ، ويكون اختيار الأجل الزائد موكولا إلى رأيه من غير أن يكون لأحد عليه إجبار ، ثم قال : ( والله على ما نقول وكيل    ) والوكيل هو الذي وكل إليه الأمر ، ولما استعمل الوكيل في معنى الشاهد عدي بعلى لهذا السبب . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					