البحث الثاني : في كيفية الشهادة على الزنا قال الله تعالى : ( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم    ) [ النساء : 15 ] وقال تعالى : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء    ) وقال  سعد بن عبادة    : " يا رسول الله أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء ؟ قال : نعم " ثم هاهنا مسائل : 
المسألة الأولى : الإقرار بالزنا هل يثبت بشهادة رجلين  ؟ فيه قولان . 
أحدهما : لا يثبت إلا بأربعة كفعل الزنا . 
والثاني : يثبت بخلاف فعل الزنا ، لأن الفعل يغمض الاطلاع عليه فاحتيط فيه باشتراط الأربع ، والإقرار أمر ظاهر فلا يغمض الاطلاع عليه . 
المسألة الثانية : إذا شهدوا على فعل الزنا يجب أن يذكروا الزاني ومن زنى بها  ، لأنه قد يراه على جارية له فيظن أنها أجنبية ، ويجب أن يشهدوا أنا رأينا ذكره يدخل في فرجها دخول الميل في المكحلة ، فلو شهدوا مطلقا أنه زنى لا يثبت ، لأنهم ربما يرون المفاخذة زنا ، بخلاف ما لو قذف إنسانا فقال زنيت يجب الحد ولا يستفسر ، ولو أقر على نفسه بالزنا ، هل يشترط أن يستفسر  ؟ فيه وجهان . 
أحدهما : نعم كالشهود . 
والثاني : لا يجب كما في القذف . 
المسألة الثالثة : قال  الشافعي  رحمه الله لا فرق بين أن يجيء الشهود متفرقين أو مجتمعين ، وقال  أبو حنيفة  رحمه الله إذا شهدوا متفرقين لا يثبت وعليهم حد القذف ، حجة  الشافعي  رحمه الله من وجوه : 
الأول : أن الإتيان بأربعة شهداء قدر مشترك بين الإتيان بهم مجتمعين أو متفرقين واللفظ الدال على ما به الاشتراك لا إشعار له بما به الامتياز ، فالآتي بهم متفرقين يكون عاملا بالنص فوجب أن يخرج عن العهدة . 
الثاني : كل   [ ص: 139 ] حكم يثبت بشهادة الشهود إذا جاءوا مجتمعين يثبت إذا جاءوا متفرقين كسائر الأحكام ، بل هذا أولى لأنهم إذا جاءوا متفرقين كان أبعد عن التهمة ، وعن أن يتلقن بعضهم من بعض ، فلذلك قلنا إذا وقعت ريبة للقاضي في شهادة الشهود فرقهم ليظهر على عورة إن كانت في شهادتهم . 
الثالث : أنه لا يشترط أن يشهدوا معا في حالة واحدة ، بل إذا اجتمعوا عند القاضي وكان يقدم واحد بعد آخر ويشهد فإنه تقبل شهادتهم ، فكذا إذا اجتمعوا على بابه . ثم كان يدخل واحد بعد واحد ، حجة  أبي حنيفة  رحمه الله من وجهين : 
الأول : أن الشاهد الواحد لما شهد فقد قذفه ولم يأت بأربعة من الشهداء فوجب عليه الحد لقوله تعالى : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء    ) أقصى ما في الباب أنهم عبروا عن ذلك القذف بلفظ الشهادة ، وذلك لا عبرة به لأنه يؤدي إلى إسقاط حد القذف رأسا ، لأن كل قاذف لا يعجزه لفظ الشهادة ، فيجعل ذلك وسيلة إلى إسقاط الحد عن نفسه ، ويحصل مقصوده من القذف . 
الثاني : ما روي " أن  المغيرة بن شعبة  شهد عليه بالزنا عند  عمر بن الخطاب  أربعة : أبو بكرة  ونافع  ونفيع  وقال زياد    - وكان رابعهم - رأيت إستا تنبو ونفسا يعلو ورجلاها على عاتقه كأذني حمار ، ولا أدري ما وراء ذلك ، فجلد عمر  الثلاثة ولم يسأل هل معهم شاهد آخر   " فلو قبل بعد ذلك شهادة غيرهم لتوقف ، لأن الحدود مما يتوقف فيها ويحتاط    . 
المسألة الرابعة : لو شهد على الزنا أقل من أربعة لا يثبت الزنا ، وهل يجب حد القذف على الشهود  ؟ فيه قولان . 
أحدهما : لا يجب لأنهم جاءوا مجيء الشهود ، ولأنا لو حددنا لانسد باب الشهادة على الزنا ، لأن كل واحد لا يأمن أن لا يوافقه صاحبه فيلزمه الحد . 
والقول الثاني : وهو الأصح ، وبه قال  أبو حنيفة  رحمه الله : يجب عليهم الحد ، والدليل عليه الوجهان اللذان ذكرناهما في المسألة الثالثة . 
المسألة الخامسة : إذا قذف رجل رجلا فجاء بأربعة فساق فشهدوا على المقذوف بالزنا  ، قال  أبو حنيفة  رحمه الله : يسقط الحد عن القاذف ولا يجب الحد على الشهود . وقال  الشافعي  رحمه الله في أحد قوليه : يحدون ، وجه قول  أبي حنيفة  قوله : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء    ) وهذا قد أتى بأربعة شهداء فلا يلزمه الحد . 
ولأن الفاسق من أهل الشهادة وقد وجدت شرائط شهادة الزنا من اجتماعهم عند القاضي ، إلا أنه لم تقبل شهادتهم لأجل التهمة ، فكما اعتبرنا التهمة في نفي الحد عن المشهود عليه فكذلك وجب اعتبارها في نفي الحد عنهم ، ووجه قول  الشافعي  رحمه الله أنهم غير موصوفين بالشرائط المعتبرة في قبول الشهادة فخرجوا عن أن يكونوا شاهدين ، فبقوا محض القاذفين ، وهاهنا آخر الكلام في تفسير قوله تعالى : ( ثم لم يأتوا بأربعة شهداء    ) . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					