[ ص: 151 ]   ( سورة مريم ) 
( وهي ثمان وتسعون آية ، مكية 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( كهيعص     ) 
قبل الخوض في القراءات لا بد من مقدمات ثلاثة : 
المقدمة الأولى : أن حروف المعجم على نوعين ثنائي وثلاثي ، وقد جرت عادة العرب أن ينطقوا بالثنائيات مقطوعة ممالة فيقولوا : با تا ثا وكذلك أمثالها ، وأن ينطقوا بالثلاثيات التي في وسطها الألف مفتوحة مشبعة فيقولوا : دال ذال صاد ضاد ، وكذلك أشكالها ، أما الزاي وحده من بين حروف المعجم فمعتاد فيه الأمران ، فإن من أظهر ياءه في النطق حتى يصير ثلاثيا لم يمله ، ومن لم يظهر ياءه في النطق حتى يشبه الثنائي يمله . 
أما المقدمة الثانية : ينبغي أن يعلم أن إشباع الفتحة في جميع المواضع أصل والإمالة فرع عليه ؛ ولهذا يجوز إشباع كل ممال ولا يجوز إمالة كل مشبع من الفتحات . 
المقدمة الثالثة : للقراء في القراءات المخصوصة بهذا الموضع ثلاثة طرق : 
أحدها : أن يتمسكوا بالأصل وهو إشباع فتحة الهاء والياء . 
وثانيها : أن يميلوا الهاء والياء . 
وثالثها : أن يجمعوا بين الأصل والفرع فيقع الاختلاف بين الهاء والياء فيفتحوا أحدهما أيهما كان ويكسروا الآخر ولهم في السبب الموجب لهذا الاختلاف قولان : 
الأول : أن الفتحة المشبعة أصل ، والإمالة فرع مشهور كثير الاستعمال فأشبع أحدهما ، وأميل الآخر ليكون جامعا لمراعاة الأصل والفرع وهو أحسن من مراعاة أحدهما ، وتضييع الآخر . 
القول الثاني : أن الثنائية من حروف المعجم إذا كانت مقطوعة كانت بالإمالة ، وإذا كانت موصولة كانت بالإشباع ، وها ويا في قوله تعالى : ( كهيعص    ) مقطوعان في اللفظ موصولان في الخط فأميل أحدهما ، وأشبع الآخر ؛ ليكون كلا الجانبين مراعيا جانب القطع اللفظي وجانب الوصل الخطي ، إذا عرفت هذا فنقول : فيه قراءات . 
إحداها : وهي القراءة المعروفة فيه فتحة الهاء والياء جميعا . 
وثانيها : كسر الهاء وفتح الياء ، وهي قراءة أبي عمرو  وابن مبادر  والقطعي  عن أيوب  ، وإنما كسروا الهاء دون الياء ليكون فرقا بينه وبين الهاء الذي للتنبيه ؛ فإنه لا يكسر قط . 
وثالثها : فتح الهاء وكسر الياء وهو قراءة حمزة   والأعمش  وطلحة  والضحاك  عن   [ ص: 152 ] عاصم  ، وإنما كسروا الياء دون الهاء ؛ لأن الياء أخت الكسرة ، وإعطاء الكسرة أختها أولى من إعطائها إلى أجنبية مفتوحة للمناسبة . 
ورابعها : إمالتهما جميعا وهي قراءة الكسائي  والمفضل  ويحيى  عن عاصم   والوليد بن أسلم  عن ابن عامر   والزهري   وابن جرير  وإنما أمالوهما للوجهين المذكورين في إمالة الهاء وإمالة الياء . 
وخامسها : قراءة الحسن  وهي ضم الهاء وفتح الياء ، وعنه أيضا فتح الهاء وضم الياء ، وروى صاحب "الكشاف" عن الحسن  بضمهما ، فقيل له لم تثبت هذه الرواية عن الحسن  ؛ لأنه أورد  ابن جني  في كتاب "المحتسب " أن قراءة الحسن  ضم أحدهما وفتح الآخر لا على التعيين ، وقال بعضهم : إنما أقدم الحسن  على ضم أحدهما لا على التعيين ؛ لأنه تصور أن عين الفعل في الهاء والياء ألف منقلب عن الواو كالدار والمال ، وذلك لأن هذه الألفات - وإن كانت مجهولة لأنها لا اشتقاق لها - فإنها تحمل على ما هو مشابه لها في اللفظ . 
والألف إذا وقع عينا فالواجب أن يعتقد أنه منقلب عن الواو لأن الغالب في اللغة ذلك ؛ فلما تصور الحسن أن ألف الهاء والياء منقلب عن الواو جعله في حكم الواو ، وضم ما قبله ؛ لأن الواو أخت الضمة . 
وسادسها : ها يا بإشمامهما شيئا من الضمة . 
المسألة الثانية : قرأ أبو جعفر    ( كهيعص ) بفصل الحروف بعضها من بعض بأدنى سكتة مع إظهار نون العين ، وباقي القراء يصلون الحروف بعضها ببعض ، ويخفون النون . 
المسألة الثالثة : القراءة المعروفة " صاد " ، ذكر بالإدغام ، وعن عاصم  ويعقوب  بالإظهار . 
البحث الثاني : المذاهب المذكورة في هذه الفواتح قد تقدمت لكن الذي يختص بهذا الموضع ما روي عن  ابن عباس  رضي الله عنهما أن قوله تعالى : كهيعص ثناء من الله على نفسه ، فمن الكاف وصفه بأنه كاف ومن الهاء هاد ومن العين عالم ، ومن الصاد صادق ، وعن  ابن عباس    -رضي الله عنهما - أيضا أنه حمل الكاف على الكبير والكريم ، ويحكى أيضا عنه أنه حمل الياء على الكريم مرة وعلى الحكيم أخرى ، وعن  الربيع بن أنس  في الياء أنه من مجير ، وعن  ابن عباس  رضي الله عنهما في العين أنه من عزيز ومن عدل ، وهذه الأقوال ليست قوية لما بينا أنه لا يجوز من الله تعالى أن يودع كتابه ما لا تدل عليه اللغة لا بالحقيقة ولا بالمجاز ؛ لأنا إن جوزنا ذلك فتح علينا قول من يزعم أن لكل ظاهر باطنا ، واللغة لا تدل على ما ذكروه فإنه ليست دلالة الكاف أولى من دلالته على الكريم أو الكبير أو على اسم آخر من أسماء الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو الملائكة أو الجنة أو النار ؛ فيكون حمله على بعضها دون البعض تحكما لا تدل عليه اللغة أصلا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					