( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون    ) 
قوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم    ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : في سبب نزول هذه الآية وجهان : 
الأول : أن المشركين في أول الأمر كانوا غالبين ، والمسلمين كانوا مقهورين مغلوبين ، ولقد كان المشركون أبدا يريدون إيقاع البلاء والقتل والنهب بالمسلمين ، والله تعالى كان يمنعهم عن مطلوبهم إلى أن قوي الإسلام وعظمت شوكة المسلمين فقال تعالى : ( اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم    ) وهو المشركون ( أن يبسطوا إليكم أيديهم    ) بالقتل والنهب والنفي فكف الله تعالى بلطفه ورحمته أيدي الكفار عنكم أيها المسلمون ، ومثل هذا الإنعام العظيم يوجب عليكم أن تتقوا معاصيه ومخالفته . 
ثم قال تعالى : ( واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون    ) أي كونوا مواظبين على طاعة الله تعالى  ، ولا تخافوا أحدا في إقامة طاعات الله تعالى . 
الوجه الثاني : أن هذه الآية نزلت في واقعة خاصة ثم فيه وجوه : 
الأول : قال  ابن عباس  والكلبي  ومقاتل    : كان النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى بني عامر  فقتلوا ببئر معونة  إلا ثلاثة نفر : أحدهم  عمرو بن أمية الضمري  ، وانصرف هو وآخر معه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخبراه خبر القوم ، فلقيا رجلين من بني سليم  معهما أمان من النبي صلى الله عليه وسلم فقتلاهما ولم يعلما أن معهما أمانا ، فجاء قومهما يطلبون الدية ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر  وعمر  وعثمان  وعلي  حتى دخلوا على بني النضير  ، وقد كانوا عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم على ترك القتال وعلى أن يعينوه في الديات . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : رجل من أصحابي أصاب رجلين معهما أمان مني فلزمني ديتهما ، فأريد أن تعينوني ، فقالوا : اجلس حتى نطعمك ونعطيك ما تريد ، ثم هموا بالفتك برسول الله وبأصحابه ، فنزل جبريل  وأخبره بذلك ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحال مع أصحابه وخرجوا ، فقال اليهود    : إن قدورنا تغلي ، فأعلمهم الرسول أنه قد نزل عليه الوحي بما عزموا عليه   . قال عطاء    : تآمروا على أن يطرحوا عليه رحا أو حجرا ، وقيل : بل   [ ص: 145 ] ألقوا فأخذه جبريل  عليه السلام . 
والثاني : قال آخرون : إن الرسول نزل منزلا وتفرق الناس عنه ، وعلق رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاحه بشجرة ، فجاء أعرابي وسل سيف رسول الله ثم أقبل عليه وقال : من يمنعك مني ؟ فقال : لا أحد ، ثم صاح رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه فأخبرهم وأبى أن يعاقبه ، وعلى هذين القولين فالمراد من قوله : ( اذكروا نعمة الله عليكم    ) تذكير نعمة الله عليهم بدفع الشر والمكروه عن نبيهم ، فإنه لو حصل ذلك لكان من أعظم المحن . 
والثالث : روي أن المسلمين قاموا إلى صلاة الظهر بالجماعة وذلك بعسفان  ، فلما صلوا ندم المشركون وقالوا ليتنا أوقعنا بهم في أثناء صلاتهم ، فقيل لهم : إن للمسلمين بعدها صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وآبائهم ، يعنون صلاة العصر ، فهموا بأن يوقعوا بهم إذا قاموا إليه ، فنزل جبريل  عليه السلام بصلاة الخوف . 
المسألة الثانية : يقال : بسط إليه لسانه إذا شتمه ، وبسط إليه يده إذا بطش به . ومعنى بسط اليد مدها إلى المبطوش به ، ألا ترى أن قولهم : فلان بسيط الباع ومديد الباع بمعنى واحد ( فكف أيديهم عنكم    ) أي منعها أن تصل إليكم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					