المسألة الثالثة : في تفسير الإحسان والتوفيق  وجوه : 
الأول : معناه ما أردنا بالتحاكم إلى غير الرسول صلى الله عليه وسلم إلا الإحسان إلى خصومنا واستدامة الاتفاق والائتلاف فيما بيننا ، وإنما كان التحاكم إلى غير الرسول  إحسانا إلى الخصوم لأنهم لو كانوا عند الرسول لما قدروا على رفع صوت عند تقرير كلامهم ، ولما قدروا على التمرد من حكمه ، فإذن كان التحاكم إلى غير الرسول إحسانا إلى الخصوم . 
الثاني : أن يكون المعنى ما أردنا بالتحاكم إلى عمر  إلا أنه يحسن إلى صاحبنا بالحكم العدل والتوفيق بينه وبين خصمه ، وما خطر ببالنا أنه يحكم بما حكم به الرسول . 
الثالث : أن يكون المعنى ما أردنا بالتحاكم إلى غيرك يا رسول الله إلا أنك لا تحكم إلا بالحق المر ، وغيرك يدور على التوسط ويأمر كل واحد من الخصمين بالإحسان إلى الآخر ، وتقريب مراده من مراد صاحبه حتى يحصل بينهما الموافقة . 
ثم قال تعالى : ( أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم    ) والمعنى أنه لا يعلم ما في قلوبهم من النفاق والغيظ والعداوة إلا الله . 
ثم قال تعالى : ( فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا    ) واعلم أنه تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم بثلاثة أشياء : 
الأول : قوله : ( فأعرض عنهم    ) وهذا يفيد أمرين : 
أحدهما : أن لا يقبل منهم ذلك العذر ولا يغتر به ، فإن من لا يقبل عذر غيره ويستمر على سخطه قد يوصف بأنه معرض عنه غير ملتفت إليه . 
والثاني : أن هذا يجري مجرى أن يقول له : اكتف بالإعراض عنهم ولا تهتك سترهم ، ولا تظهر لهم أنك عالم بكنه ما في بواطنهم ، فإن من هتك ستر عدوه وأظهر له كونه عالما بما في قلبه فربما يجرئه ذلك على أن لا يبالي بإظهار العداوة فيزداد الشر ، ولكن إذا تركه على حاله بقي في خوف ووجل فيقل الشر . 
النوع الثاني : قوله تعالى : ( وعظهم ) والمراد أنه يزجرهم عن النفاق والمكر والكيد والحسد والكذب ويخوفهم بعقاب الآخرة ، كما قال تعالى : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة    ) [ النحل : 125 ] . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					