[ ص: 128 ] سورة النساء 
مائة وسبعون وست آيات مدنية 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة    ) 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة    ) . 
اعلم أن هذه السورة مشتملة على أنواع كثيرة من التكاليف ، وذلك لأنه تعالى أمر الناس في أول هذه السورة بالتعطف على الأولاد والنساء والأيتام ، والرأفة بهم وإيصال حقوقهم إليهم وحفظ أموالهم عليهم ، وبهذا المعنى ختمت السورة ، وهو قوله : ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة    ) [ النساء : 176 ] وذكر في أثناء هذه السورة أنواعا أخر من التكاليف ، وهي الأمر بالطهارة والصلاة وقتال المشركين . ولما كانت هذه التكاليف شاقة على النفوس لثقلها على الطباع ، لا جرم افتتح السورة بالعلة التي لأجلها يجب حمل هذه التكاليف الشاقة ، وهي تقوى الرب الذي خلقنا والإله الذي أوجدنا ، فلهذا قال : ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم    ) وفي الآية مسائل : 
المسألة الأولى : روى الواحدي  عن  ابن عباس  في قوله : ( ياأيها الناس    ) أن هذا الخطاب لأهل مكة   ، وأما الأصوليون من المفسرين فقد اتفقوا على أن الخطاب عام لجميع المكلفين ، وهذا هو الأصح لوجوه : 
أحدها : أن لفظ الناس جمع دخله الألف واللام فيفيد الاستغراق . 
وثانيها : أنه تعالى علل الأمر بالاتقاء بكونه تعالى خالقا لهم من نفس واحدة ، وهذه العلة عامة في حق جميع المكلفين بأنهم من آدم  عليه السلام خلقوا بأسرهم ، وإذا كانت العلة عامة كان الحكم عاما . 
وثالثها : أن التكليف بالتقوى  غير مختص بأهل مكة   ، بل هو عام في حق جميع العالمين ، وإذا كان لفظ الناس عاما في الكل ، وكان الأمر بالتقوى عاما في الكل ، وكانت علة هذا التكليف ، وهي كونهم خلقوا من النفس الواحدة عامة في حق   [ ص: 129 ] الكل ، كان القول بالتخصيص في غاية البعد . وحجة  ابن عباس  أن قوله : ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام    ) [ النساء : 1 ] مختص بالعرب ؛ لأن المناشدة بالله وبالرحم عادة مختصة بهم . فيقولون : أسألك بالله وبالرحم ، وأنشدك الله والرحم ، وإذا كان كذلك كان قوله : ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام    ) مختصا بالعرب ، فكان أول الآية وهو قوله : ( ياأيها الناس    ) مختصا بهم ؛ لأن قوله في أول الآية : ( اتقوا ربكم    ) وقوله بعد ذلك : ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام    ) وردا متوجهين إلى مخاطب واحد ، ويمكن أن يجاب عنه بأنه ثبت في أصول الفقه أن خصوص آخر الآية لا يمنع من عموم أولها ، فكان قوله : ( ياأيها الناس    ) عاما في الكل ، وقوله : ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام    ) . خاصا بالعرب . 
المسألة الثانية : أنه تعالى جعل هذا المطلع مطلعا لسورتين في القرآن : إحداهما : هذه السورة وهي السورة الرابعة من النصف الأول من القرآن . والثانية : سورة الحج ، وهي أيضا السورة الرابعة من النصف الثاني من القرآن ، ثم إنه تعالى علل الأمر بالتقوى في هذه السورة بما يدل على معرفة المبدأ ، وهو أنه تعالى خلق الخلق من نفس واحدة ، وهذا يدل على كمال قدرة الخالق وكمال علمه وكمال حكمته وجلاله  ، وعلل الأمر بالتقوى في سورة الحج بما يدل على كمال معرفة المعاد ، وهو قوله : ( إن زلزلة الساعة شيء عظيم    ) [ الحج : 1 ] فجعل صدر هاتين السورتين دلالة على معرفة المبدأ ومعرفة المعاد ، ثم قدم السورة الدالة على المبدأ على السورة الدالة على المعاد ، وتحت هذا البحث أسرار كثيرة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					