462 -  أبو تراب النخشبي  
ومنهم  أبو تراب النخشبي  ، كان أحد أعلام المتوكلين وإمام المتجردين تأدب  بحاتم الأصم  وعلي الرازي  المذبوح ، له الرياضات المشهورة ، والسياحات المذكورة ، دخل أصبهان  وسمع من عبد الله بن محمد بن زكريا  ، ومحمد بن عبد الله بن مصعب  ، وصحبه جدي محمد بن يوسف  بمكة  وبالحجاز  مدة مديدة ، وكذلك صحبه  أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم  النبيل بالبادية . 
حدثنا أبو محمد بن حيان  قال : سمعت عبد الرزاق  ابني يحكي عن أبي عبد الله محمد بن أحمد الكسائي المقري  قال : " كنت جالسا عند  ابن أبي عاصم  وعنده قوم فقال له رجل : أيها العاصي ، بلغنا أن ثلاثة نفر كانوا بالبادية يقلبون الرمل فقال أحدهم : اللهم إنك قادر على أن تطعمنا خبيصا على لون هذا الرمل  ، فإذا هم بأعرابي بيده طبق فسلم عليهم ووضع بين أيديهم طبقا عليه خبيص حار فقال  ابن أبي عاصم    : قد كان ذاك ، قال أبو عبد الله    : وكان الثلاثة : عثمان بن صخر  الزاهد أستاذ أبي تراب  ، وأبو تراب  ، وأحمد بن عمرو بن أبي عاصم  وكان هو الذي دعا   " . 
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر  ، ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا  ، ثنا أبو   [ ص: 46 ] تراب  قال : قال حاتم  ، عن شقيق    " لو أن رجلا عاش مائتي سنة لا يعرف هذه الأربعة أشياء لم ينج من النار إن شاء الله ، أحدها : معرفة الله ، والثاني : معرفة نفسه ، والثالث : معرفة أمر الله ونهيه ، والرابع : معرفة عدو الله وعدو نفسه ، وتفسير معرفة الله أن تعرف بقلبك أن لا معطي غيره ، ولا مانع غيره ولا نافع غيره  ولا ضار غيره ، وأما معرفة النفس    : فأن تعرف نفسك أنك لا تضر ولا تنفع ، ولا تستطيع شيئا من الأشياء ، وخلاف النفس أن تكون متضرعا إليه ، وأما معرفة أمر الله ونهيه    : فأن تعلم أمر الله عليك ، وأن رزقك على الله ، وأن تكون واثقا بالرزق مخلصا في العمل ، وعلامة الإخلاص  ألا يكون فيك خصلتان : الطمع والثناء ، وأما معرفة عدو الله  فأن تعلم أن عدوا لك لا يقبل الله منك شيئا إلا بمحاربته ، والمحاربة في القلب أن يكون محاربا مجاهدا نافيا للعدو   " . 
حدثنا عبد الله بن محمد  ، ثنا عبد الله بن محمد  قال : قال أبو تراب    : سمعت محمد بن شقيق بن إبراهيم  ،  وحاتما الأصم  يقولان : " كان لشقيق  وصيتان إذا جاء رجل يوصيه بالعربية ويقول : توحد الله بقلبك ولسانك وسعيك  ، وأن تكون بالله أوثق مما في يديك ، والثالث : أن ترضى عن الله ، وإذا جاءه أعجمي قال له : بني احفظ مني خصالا : أول خصلة : أن تحفظ الحق ، ولا يكون الحق حقا إلا بالإجماع  ، فإذا اجتمع الناس فقالوا : إن هذا الحق ، تعمل ذلك الحق برؤية الثواب مع الإياس من الخلق ، ولا يكون الباطل باطلا إلا بالإجماع  ، فإذا اجتمعوا وقالوا : إن هذا باطل تركت هذا الباطل خوفا من الله مع الإياس من المخلوقين ، فإذا كنت لا تعلم هذا الشيء حق أو باطل ، فينبغي لك أن تقف حتى تعلم فإنه حرام عليك دخوله إلا أن يكون معك بيان ذلك الشيء وعلمه   " . 
سمعت محمد بن الحسين  يقول : سمعت جدي إسماعيل بن عبيد  يقول : كان أبو تراب  إذا سمع من أصحابه ما يكره زاد في اجتهاده ويجدد توبة ويقول : " بشرى دفعوا إلى ما دفعوا ؛ لأن الله تعالى يقول : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم    ) وكان يقول لأصحابه : من لبس منكم مرقعة فقد سأل  ، ومن قعد في الخانقاه أو في المسجد فقد سأل ، ومن قرأ القرآن في المصحف أو كيما يسمع الناس فقد سأل   " . 
 [ ص: 47 ] حدثنا أبو محمد بن حبان  ، ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا  ، ثنا أبو تراب  ، ثنا  أحمد بن نصر النيسابوري  ، عن أبي غسان الكوفي  ، ثنا مسلمة بن جعفر  قال : قال  وهب بن منبه    : " ثلاث من العلم : ورع يحجزه عن معاصي الله  ، وخلق يداري به الناس ، وحلم يرد به جهل الجاهل ، وثلاث من كن فيه أصاب البر    : سخاوة النفس ، والصبر على الأذى ، وطيب الكلام ، وثلاث من مناقب الإيمان    : الاستعداد للموت ، والرضا بالكفاف ، والتفويض إلى الله في حالات الدنيا ، وثلاث من مناقب الكفر    : الغفلة عن الله ، والطيرة ، والحسد ، وللحاسد ثلاث علامات    : يتملق إذا شهد ، ويغتاب إذا غاب ، ويشمت بالمصيبة   " . 
حدثنا محمد بن الحسين  قال : سمعت عبد الله بن علي  يقول : سمعت الرقي  يقول : سمعت أبا عبد الله بن الجلاء  يقول : لقيت ستمائة شيخ ما رأيت فيهم مثل أربعة : أولهم أبو تراب   ، وحكى ابن الجلاء  عن أبي تراب  أنه قال : " لا بد للأستاذ من أربعة أشياء : تمييز فعل الله عن فعل الخلق ، ومعرفة مقامات العمال ، ومعرفة الطبائع والنفوس ، وتمييز الخلاف من الاختلاف   " . 
سمعت محمد بن الحسن بن موسى  يقول : سمعت أبا العباس محمد بن الحسن البغدادي  يقول : سمعت أبا عبد الله الفارسي  يقول : سمعت أبا الحسن الرازي  يقول : سمعت يوسف بن الحسين  يقول : سمعت أبا تراب  يقول : " ما تمنت علي نفسي قط إلا مرة تمنت علي خبزا وبيضا وأنا في سفر  ، فعدلت من الطريق إلى قرية ، فلما دخلتها وثب إلي رجل فتعلق بي وقال : إن هذا كان مع اللصوص فبطحوني وضربوني سبعين جلدة ، فوقف علينا رجل فصرخ : هذا أبو تراب  ، فأقاموني واعتذروا إلي ، وأدخلني الرجل منزله وقدم إلي خبزا وبيضا فقلت : كلها بعد سبعين جلدة   " . 
سمعت أحمد بن إسحاق  يقول : سمعت أبا بكر بن أبي عاصم  يقول : سمعت أبا تراب  الزاهد يقول : سمعت  حاتما الأصم  يقول : عن شقيق  قال : " اصحب الناس كما تصحب النار خذ منفعتها واحذر أن تحرقك    " . 
سمعت أحمد بن أبي عمران الهروي  يقول : سمعت إسماعيل بن نجيد   [ ص: 48 ] يقول : كان أبو تراب  يقول : " بيني وبين الله عهد ألا أمد يدي إلى حرام إلا قصرت يدي عنه    " . 
سمعت أبا سعيد القلانسي  يقول : سمعت الرقي  يقول : سمعت أبا عبد الله بن الجلاء  يقول : كان أبو تراب  يقول : لا أعلم شيئا أضر على المريدين من أسفارهم على متابعة قلوبهم ونفوسهم  ، وما فسد من فسد من المريدين إلا بالأسفار الباطلة   " . 
سمعت محمد بن الحسين بن موسى  يقول : سمعت أبا الحسين القزويني  يقول : سمعت علي بن عبدك  يقول : سمعت أبا عمران الطبرستاني  يقول : سمعت ابن الفرحي  يقول : " رأيت حول أبي تراب  من أصحابه مائة وعشرين ركوة  قعودا حول الأساطين ما مات أحد منهم على الفقر إلا ابن الجلاء  وأبو عبيد السري    " . 
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر  ، ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا  قال : سمعت أبا تراب  يقول : قال  حاتم الأصم    : " أنا أدعو الناس إلى ثلاثة أشياء : إلى المعرفة وإلى الثقة ، وإلى التوكل ، فأما معرفة القضاء فأن تعلم أن القضاء عدل منه ، فلا ينبغي لك أن تشكو إلى الناس أو تتهم أو تسخط ، ولكن ينبغي لك أن ترضى وتصبر ، وأما الثقة فالإياس من المخلوقين ، وعلامة الإياس من المخلوقين  أن ترفع القضاء منهم ، وإذا رفعت القضاء منهم فقد استرحت منهم واستراحوا منك ، وإذا لم ترفع القضاء منهم فإنه لا بد لك أن تزين لهم وتصنع لهم ، فإذا فعلت ذلك فقد وقعت في أمر عظيم ، ووقعوا في أمر عظيم ، وتضع عليهم الموت ، فإذا وضعت عليهم الموت فقد رحمتهم وأيست منهم ، وأما التوكل فطمأنينة القلب لموعود الله ، فإذا كنت مطمئنا بالموعود استغنيت غنى لا تفتقر أبدا   " . 
حدثنا عبد الله بن محمد  ، ثنا عبد الله بن محمد  قال : سمعت أبا تراب  يقول : قال  حاتم الأصم    : " لا أدري أيهما أشد على الناس العجب أو الرياء  ، العجب داخل فيك والرياء يدخل عليك ، العجب أشد عليك من الرياء ، ومثلهما أن يكون كلبك في البيت كلبا عقورا وكلبا آخر خارج البيت ، فأيهما أشد عليك الداخل   [ ص: 49 ] معك أو الخارج ؟ أما الداخل فهو العجب ، وأما الخارج فهو الرياء ، وقال حاتم    : الحزن على وجهين : حزن لك وحزن عليك ، فأما الحزن الذي عليك فكل شيء فاتك من الدنيا فتحزن عليه فهذا عليك ، وكل شيء فاتك من الآخرة فتحزن عليه فهو لك ، وتفسيره إذا كان عندك درهمان فسقط منك درهم حزنت عليه فهذا حزن الدنيا ، وإذا خرجت منك زلة أو غيبة أو حسد أو شيء فما تحزن عليه وتندم فهو لك   " . 
سمعت محمد بن الحسين  يقول : سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان  يقول : سمعت أبا عثمان الآدمي  يقول : سمعت إبراهيم الخواص  يقول : حدثني أخ لي كان يصحب أبا تراب  نظر إلى صوفي مد يده إلى قشور البطيخ فقال : " إنك لا يصلح لك التصوف الزم السوق    " . 
سمعت أبا الفضل أحمد بن موسى الصارم  ، ومحمد بن الحسين  يقولان : سمعنا  منصور بن عبد الله  يقول : سمعت  أبا علي الروزباري  يقول : سمعت ابن الجلاء  يقول : سمعت أبا تراب النخشبي  يقول : " إذا ألفت القلوب الأعراض صحبتها الوقيعة في الأولياء    " . 
سمعت محمد بن الحسين  يقول : سمعت  منصور بن عبد الله  يقول وحكى عن أبي عبد الله بن الجلاء  قال : دخل أبو تراب  مكة  فرأيته طيب النفس فقلت له : أين أكلت أيها الأستاذ ؟ فقال : " جئت بفضولك ، أكلت أكلة بالبصرة  وأكلة بالنباج وأكلة هاهنا   " وقال أبو عمرو الإصطخري    : رأيت أبا تراب  ميتا بالبادية قائما منتصبا لا يمسكه شيء    . 
سمعت محمد بن الحسن  يقول : سمعت محمد بن عبد الله  يقول : سمعت أبا عثمان الآدمي  يقول : سمعت إبراهيم الخواص  يقول : " مات أبو تراب  بين مكة  والمدينة  نهشته السباع    " . 
سمعت أبي يقول : حكي لي عن أبي عبد الله بن الجلاء  قال : سمعت أبا تراب  قال : قال  حاتم الأصم    : " مثل الدنيا كمثل ظلك إن طلبته تباعد وإن تركته تتابع  قال : وقال حاتم    : ما من صباح إلا ويقول لي الشيطان : ما تأكل  ؟ ما تلبس ؟ أين   [ ص: 50 ] تسكن ؟ فأقول له : آكل الموت ، وألبس الكفن ، وأسكن القبر   . وقال حاتم    : قال  شقيق بن إبراهيم  يوما لرجل : أيهما أحب إليك : أن يكون لك على الملي أو يكون للملي عليك ؟ فقال : بل يكون لي على الملي ، قال : إذا كنت في الشر فأجرك على الله ، وإذا كنت في النعمة يكون الشكر لله عليك   . وقال أبو تراب    : إذا رأيت القارئ منبسطا إلى الغلمان والأغنياء  فاعلم أنه مخادع ، وقال أبو حاتم    : اصرف أربعة أشياء إلى أربعة مواضع وخذ الجنة : النوم إلى القبر ، والراحة إلى الصراط ، والفخر إلى الميزان ، والشهوات إلى الجنة   " . 
حدثنا أحمد بن إسحاق  ، حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم  ، قال : سمعت أبا تراب  يقول : سمعت حاتما  يقول : لي أربعة نسوة وتسعة من الأولاد ، ما طمع الشيطان أن يوسوس إلي في شيء من أرزاقهم    . 
حدثنا محمد بن الحسين  قال : سمعت  منصور بن عبد الله  يقول : سمعت أبا جعفر بن تركان  يقول : سمعت يعقوب بن الوليد  يقول : سمعت أبا تراب  يقول : " يا أيها الناس أنتم تحبون ثلاثة وليس هي لكم    : تحبون النفس وهي لله ، وتحبون الروح والروح لله ، وتحبون المال والمال للورثة ، وتطلبون اثنين ولا تجدونهما : الفرح والراحة وهما في الجنة    " . 
أخبرني عبد السلام بن محمد المخرمي  قال : سمعت ابن أبي شيخ  يقول : سمعت علي بن حسن التميمي  يقول : سمعت أبا تراب  ، وقال له رجل : ألك حاجة ؟ فقال : " يوم يكون لي إليك وإلى أمثالك حاجة لا يكون لي إلى الله حاجة . وقال أبو تراب    : حقيقة الغنى  أن تستغني عمن هو مثلك ، وحقيقة الفقر أن تفتقر إلى من هو مثلك ، وإذا صدق العبد في العمل وجد حلاوته قبل أن يعمله ، وإذا أخلص فيه وجد حلاوته قبل مباشرته العمل . وقال : من شغل مشغولا بالله عن الله أدركه المقت من ساعته   " . 
ومما أسند ، حدثنا أحمد بن إسحاق  ، ثنا محمد بن عبد الله بن مصعب  ، ثنا أبو تراب عسكر بن محمد الزاهد  ، ثنا محمد بن ثابت  ، عن شريك  ، عن عبد الله  ، عن  الأعمش  ، عن أبي سفيان  ، عن جابر  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   [ ص: 51 ]   " لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب  فإن ربهم يطعمهم ويسقيهم   " . 
حدثنا  محمد بن إسماعيل الوراق  ، ثنا عبد الصمد بن علي بن مكرم  ، حدثني أحمد بن سليمان بن المبارك  ، ثنا  أبو تراب الزاهد البلخي  ، ثنا واصل بن إبراهيم  ، ثنا أبو حمزة  ، عن رقبة  ، عن سلمة بن كهيل  ، عن جندب بن سفيان  قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " من يسمع يسمع الله به  ، ومن يرائي يرائي الله به   " . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					