[ ص: 464 ] إعمال الفكر في فضل الذكر  
مسألة في الذكر والتسبيح والدعاء : هل هو معادل للصدقة ويقوم مقامها في دفع البلاء ؟ الجواب : الأحاديث والآثار صريحة في ذلك وفي تفضيله على الصدقة ، وأما كونه سببا لدفع البلاء فهو أمر لا مرية فيه ، فقد وردت أحاديث لا تحصى في أذكار مخصوصة من قالها عصم من البلاء ومن الشيطان ومن الضر ومن السم ومن لذعة العقرب ، ومن أن يصيبه شيء يكرهه ، وكتاب الأذكار للشيخ  محيي الدين النووي  مشحون بذلك ، وكذا كتاب الدعاء  للطبراني   وللبيهقي  ، فلا معنى للإطالة بذلك ، وقد صح في لا حول ولا قوة إلا بالله ، أنها تدفع سبعين بابا من الضر أدناها الفقر ، وفي رواية : أدناها الهم ، وأخرج  الحاكم  وصححه عن  ثوبان  مرفوعا :   " لا يرد القدر إلا الدعاء    " وأخرج  الحاكم  أيضا من حديث  عائشة  مرفوعا :   " الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة " وأخرج مثله من حديث  ابن عمر     . وأخرج  أبو داود  وغيره عن  ابن عباس  مرفوعا :   " من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب " وأخرج  ابن أبي شيبة  عن  سويد بن جميل  قال : من قال بعد العصر : لا إله إلا الله له الحمد وهو على كل شيء قدير ، قاتلن عن قائلهن إلى مثلها من الغد ، وأخرج  إسحاق بن راهويه  في مسنده من طريق  الزهري  قال : أتي  أبو بكر الصديق  بغراب وافر الجناحين فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما صيد صيد ولا عضدت عضاه ولا قطعت وشيجة إلا بقلة التسبيح " وأخرجه  أبو الشيخ  في كتاب العظمة من طريق  ابن عون بن مهران  عن  أبي بكر  موقوفا . وأخرج  أبو نعيم  في الحلية مثله من حديث  أبي هريرة  ،  وأبو الشيخ  في العظمة نحوه من حديث  أبي الدرداء  مرفوعا :   " ما أخذ طائر ولا حوت إلا بتضييع التسبيح " ، ومن حديث  أنس  مرفوعا :   " آجال البهائم كلها وخشاش الأرض في التسبيح ، فإذا انقضى تسبيحها قبض الله أرواحها " ومن حديث  يزيد بن مرثد  مرفوعا : لا يصاد شيء من الطير والحيتان إلا بما يضيع من تسبيح الله   . 
 [ ص: 465 ] وأما تفضيل الذكر على الصدقة ففيه أحاديث كثيرة ، مرفوعة وموقوفة ، فمن الموقوفة ما أخرجه  الحاكم   والترمذي  عن  أبي الدرداء  مرفوعا :   " ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم ، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وأن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : ذكر الله " وأخرج  الترمذي  عن  أبي سعيد الخدري  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " سئل : أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة ؟ قال : الذاكرون الله كثيرا . قلت : يا رسول الله ، ومن الغازي في سبيل الله ؟ قال : لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكرون الله أفضل منه درجة " وأخرج  الحاكم  عن  البراء  مرفوعا :   " من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، عشر مرات ، فهو كعتق نسمة " وأخرج  البيهقي  في شعب الإيمان من طريق  أنس  مرفوعا :   " لأن أقعد مع قوم يذكرون الله منذ صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل "   . 
ففي هذين عدل الذكر بالعتق وتفضيله عليه . ومن الموقوفات أخرج  ابن أبي شيبة  في المصنف عن  ابن مسعود  قال : " لأن أسبح تسبيحات أحب إلي من أن أنفق بعددهن دنانير  في سبيل الله "   . وأخرج عنه قال : " لأن أقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، أحب إلي من أن أتصدق بعددها دنانير " ، وأخرج عن  عبد الله بن عمرو بن العاص  قال : " لأن أقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، أحب إلي من أن أحمل على عدتها من خيل بأرسانها " وأخرج عن  ابن عمر  قال : " ذكر الله بالغداة والعشي أعظم من حطم السيوف في سبيل الله وإعطاء المال سحا " وأخرج عن  أبي الدرداء  قال : " لأن أسبح مائة تسبيحة أحب إلي من أن أتصدق بمائة دينار على المساكين " ، وأخرج عن  معاذ بن جبل  قال : لو أن رجلين أحدهما يحمل على الجياد في سبيل الله والآخر يذكر الله ، لكان الذاكر أعظم وأفضل أجرا . وأخرج عنه قال : " لأن أذكر الله من غدوة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أحمل على الجياد في سبيل الله " وأخرج عن  عبادة بن الصامت  مثله . وأخرج عن  سلمان الفارسي  قال : " لو بات رجل يعطي القيان البيض وبات آخر يقرأ القرآن أو يذكر الله ، لرأيت أن ذاكر الله أفضل " ، وأخرج عن  ابن عمرو  قال : " لو أن رجلين أقبل أحدهما من المشرق والآخر من المغرب ، مع أحدهما ذهب لا يضع منه شيئا إلا في حق ، والآخر يذكر الله حتى يلتقيا في طريق ، كان الذي يذكر الله أفضلهما " فهؤلاء سبع صحابة صرحوا بتفضيل الذكر على الصدقة ، ومن أقوال غير الصحابة أخرج  ابن أبي شيبة  عن  أبي الأحوص  قال : " لتسبيحة في طلب حاجة خير من لقوح   [ ص: 466 ] صفي في عام أزبة أو لزبة " ، وأخرج عن  أبي بردة  قال : " لو أن رجلين أحدهما في حجره دنانير يعطيها والآخر يذكر الله ، كان ذاكر الله أفضل " والآثار في المعنى كثيرة ، وفيما أوردناه كفاية . 
ومما استدل به على تفضيل الذكر على سائر العبادات  أنه لم يرخص في تركه في حال من الأحوال ، أخرج  ابن جرير  في تفسيره عن  قتادة  قال : افترض الله ذكره عند أشغل ما تكونوا ، عند الضراب بالسيوف فقال : ( ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون    ) والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					