[ ص: 92 ] كتاب آداب الأكل والدعوة والضيافة  
إن الله تعالى أحسن تدبير الكائنات ، فخلق الأرض والسماوات وأنزل الماء الفرات من المعصرات ، فأخرج به الحب والنبات ، وقدر الأرزاق والأقوات ، وحفظ بالمأكولات قوى الحيوانات ، وأعان على الطاعات والأعمال الصالحات بأكل الطيبات . فشكرا له على ممر الأوقات . 
ولما كان مقصد ذوي الألباب لقاء الله تعالى في دار الثواب ، ولا طريق إلى الوصول للقائه إلا بالعلم والعمل ، ولا يمكن المواظبة عليهما إلا بسلامة البدن ، ولا تصفوا سلامة البدن إلا بالأطعمة والأقوات والتناول منها بقدر الحاجة على تكرر الأوقات ، فمن هذا الوجه قال بعض السلف : إن الأكل من الدين ، وعليه نبه قوله تعالى : ( كلوا من الطيبات واعملوا صالحا    ) [ المؤمنون : 51 ] وها نحن نرشد إلى وظائف الدين في الأكل فرائضها وسننها وآدابها . 
بيان ما لا بد للآكل من مراعاته 
وهو ثلاثة أقسام : 
القسم الأول في الآداب المتقدمة على الأكل  وهي خمسة : 
الأول : أن يكون الطعام بعد كونه حلالا في نفسه طيبا في جهة مكسبه موافقا للسنة والورع ، لم يكتسب بسبب مكروه في الشرع ولا بحكم هوى ومداهنة في دين ، وقد أمر الله تعالى بأكل الطيب وهو الحلال ، وقدم النهي عن الأكل بالباطل على القتل تفخيما لأمر الحرام وتعظيما لبركة الحلال فقال تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل    ) إلى قوله : ( ولا تقتلوا أنفسكم    ) [ النساء : 29 ] فالأصل في الطعام كونه طيبا وهو في الفرائض وأصول الدين . 
الثاني : غسل اليد لأنها لا تخلو عن لوث في تعاطي الأعمال فغسلها أقرب إلى النظافة والنزاهة . 
الثالث : أن ينوي بأكله أن يتقوى به على طاعة الله تعالى ليكون مطيعا بالأكل ، ومن   [ ص: 93 ] ضرورة هذه النية أن لا يمد اليد إلى الطعام إلا وهو جائع فيكون الجوع أحد ما لا بد من تقديمه على الأكل ، ثم ينبغي أن يرفع اليد قبل الشبع ، ومن فعل ذلك استغنى عن الطبيب . 
الرابع : أن يرضى بالموجود من الرزق والحاضر من الطعام . 
الخامس : أن يجتهد في تكثير الأيدي على الطعام ولو من أهله وولده فإن خير الطعام ما كثرت عليه الأيدي ; وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل وحده . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					