( ومنها ) أن يكون المسروق الذي يقطع فيه في الجملة مقصودا بالسرقة لا تبعا لمقصود  ، ولا يتعلق القطع بسرقته في قولهما ، وقال  أبو يوسف    - رحمه الله - : هذا ليس بشرط ، والأصل في هذا أن المقصود بالسرقة إذا كان مما يقطع فيه لو انفرد ، وبلغ نصابا بنفسه يقطع بلا خلاف ، وإن لم يبلغ بنفسه نصابا إلا بالتابع يكمل النصاب به فيقطع ، وكذلك إذا كان واحدا منهما مقصودا ، ولا يبلغ بنفسه نصابا يكمل أحدهما بالآخر ويقطع ، وإن كان المقصود بالسرقة مما لا يقطع فيه لو انفرد لا يقطع ، وإن كان معه غيره مما يبلغ نصابا إذا لم يكن الغير مقصودا بالسرقة ، بل يكون تابعا في قولهما . 
وعند  أبي يوسف    - رحمه الله - يقطع إذا كان ذلك الغير نصابا كاملا ، وبيان هذه الجملة في مسائل : إذا سرق إناء من ذهب ، أو فضة فيه شراب ، أو ماء أو لبن  ، أو ماء ورد ، أو ثريد ، أو نبيذ أو غير ذلك مما لا يقطع فيه لو انفرد ; لم يقطع عندهما ، وعند  أبي يوسف  يقطع . 
( وجه ) قوله : أن ما في الإناء إذا كان مما لا يقطع فيه التحق بالعدم فيعتبر أخذ الإناء على الانفراد فيقطع فيه . 
( وجه ) قولهما : أن المقصود من هذه السرقة ما في الإناء ، والإناء تابع . 
ألا يرى أنه لو قصد الإناء بالأخذ لأبقى ما فيه ، وما في الإناء لا يجب القطع بسرقته ، فإذا لم يجب القطع بالمقصود لا يجب بالتابع ، وإلى هذا أشار  محمد    - رحمه الله - في الكتاب فقال : إنما أنظر إلى ما في جوفه فإن كان ما في جوفه لا يقطع فيه ; لم أقطعه ولو سرق ما في الإناء في الدار قبل أن يخرج الإناء منها ، ثم أخرج الإناء فارغا منه  قطع ; لأنه لما سرق ما فيه في الدار علم أن مقصوده هو الإناء ، والمقصود بالسرقة إذا كان مما يجب القطع بسرقته ، وبلغ نصابا يقطع ، وعلى هذا الخلاف إذا سرق صبيا حرا لا يعبر عن نفسه ، وعليه حلي . 
وإن كان يعبر عن نفسه لا يقطع بالإجماع ; لأن له يدا على نفسه ، وعلى ما عليه من الحلي فلا يكون أخذه سرقة ، بل يكون خداعا فلا يقطع ، وكذلك إذا سرق عبدا صبيا يعبر عن نفسه وعليه حلي ، أو لم يكن  لا يقطع بلا خلاف ، وإن كان لا يعبر عن نفسه يقطع عندهما ، وعند  أبي يوسف  لا يقطع ; بناء على أن سرقة مثل هذا العبد يوجب القطع عندهما ، وعنده لا يوجب ، والمسألة قد مرت ولو سرق كلبا ، أو غيره من السباع في عنقه طوق لم يقطع ، وكذلك لو سرق مصحفا مفضضا ، أو مرصعا بياقوت  لم يقطع عندهما ، وعند  أبي يوسف  يقطع ; لما ذكرنا . 
ولو سرق كوزا قيمته تسعة دراهم ، وفيه عسل يساوي درهما  يقطع ; لأن المقصود ما فيه من العسل ، والكوز تبع فيكمل نصاب الأصل به ، وكذلك لو سرق حمارا يساوي تسعة ، وعليه إكاف يساوي درهما يقطع ; لما قلنا ولو سرق عشرة دراهم من ثوب ، والثوب لا يساوي عشرة  ينظر إن كان ذلك الثوب يصلح وعاء للدراهم بأن تشد فيه الدراهم عادة بأن كانت خرقة ، ونحوها يقطع ; لأن المقصود بالأخذ هو ما فيه ، وإن كان لا يصلح بأن كان ثوب كرباس فإن كان تبلغ قيمة الثوب  [ ص: 80 ] نصابا بأن كان يساوي عشرة يقطع بلا خلاف ; لأن الثوب مقصود بنفسه بالسرقة ، وإن كان لا يبلغ نصابا قال  أبو حنيفة    - رحمه الله - : لا يقطع . 
وذكر في الأصل أن اللص إن كان يعلم بالدراهم يقطع ، وإن كان لا يعلم لا يقطع ، وهو إحدى الروايتين عن  أبي حنيفة  ، وهو قول  أبي يوسف  ، وروي عنه أنه يقطع علم بها أو لم يعلم . 
( ووجهه ) : أن العلم بالمسروق ليس بشرط لوجوب القطع ، بل الشرط أن يكون نصابا ، قد وجد . 
( وجه ) رواية الأصل : أنه إذا كان يعلم بالدراهم كان مقصوده بالأخذ الدراهم وقد بلغت نصابا فيقطع ، وإذا كان لا يعلم بها كان مقصوده الثوب ، وأنه لم يبلغ النصاب فلا يقطع . 
( وجه ) الرواية الأخرى  لأبي حنيفة    - عليه الرحمة - أن مثل هذا الثوب إذا كان مما لا تشد به الدراهم عادة كان مقصودا بنفسه بالسرقة ، وإن لم يبلغ نصابا فلم يجب فيه القطع فكذا فيما فيه ; لأنه تابع له ولو سرق جوالقا ، أو جرابا فيه مال كثير  قطع ; لأن المقصود بالسرقة هو المظروف لا الظرف ، والمقصود مما يجب القطع بسرقته فيقطع ، وكذا إذا كان الثوب لا يساوي عشرة ، وفيه مال عظيم علم به اللص يقطع ; لأن الثوب يصلح وعاء للمال الكثير ، ولا يصلح وعاء لليسير ، ففيما صلح وعاء له يعتبر ما فيه ، لأنا نعلم يقينا أن مقصوده ما فيه وفيما لا يصلح يعتبر نفسه مقصودا بالسرقة ، وما فيه تابعا له ولا قطع في المقصود لنقصان النصاب فكذا في التابع ; لأن التبع حكمه حكم الأصل ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم . 
				
						
						
