وأما بيان ما يجب بفعل هذا المحظور وهو : لبس المخيط فالواجب به يختلف في بعض المواضع : يجب الدم عينا ، وفي بعضها : تجب الصدقة عينا ، وفي بعضها يجب أحد الأشياء الثلاثة غير عين الصيام ، أو الصدقة ، أو الدم ، وجهات التعيين إلى من عليه كما في كفارة اليمين . 
والأصل أن الارتفاق الكامل باللبس يوجب فداء كاملا فيتعين فيه الدم ، لا يجوز غيره إن فعله من غير عذر ، وإن فعله لعذر فعليه أحد الأشياء الثلاثة ، والارتفاق القاصر يوجب فداء قاصرا وهو : الصدقة إثباتا للحكم على قدر العلة ، وبيان هذه الجملة إذا لبس المخيط : من قميص ، أو جبة ، أو سراويل ، أو عمامة ، أو قلنسوة  [ ص: 187 ] أو خفين ، أو جوربين من غير عذر وضرورة يوما كاملا    . 
فعليه الدم لا يجوز غيره ; لأن لبس أحد هذه الأشياء يوما كاملا ارتفاق كامل فيوجب كفارة كاملة وهي : الدم لا يجوز غيره ; لأنه فعله من غير ضرورة ، وإن لبس أقل من يوم لا دم عليه وعليه الصدقة ، وكان  أبو حنيفة  يقول أولا : إن لبس أكثر اليوم فعليه دم . 
وكذا روي عن  أبي يوسف  ثم رجع وقال : لا دم عليه حتى يلبس يوما كاملا ، وروي عن  محمد  أنه إذا لبس أقل من يوم يحكم عليه بمقدار ما لبس من قيمة الشاة ، إن لبس نصف يوم فعليه قيمة نصف شاة على هذا القياس ، وهكذا روي عنه في الحلق . 
وقال  الشافعي    : " يجب عليه الدم ، وإن لبس ساعة واحدة " . 
وجه قوله أن اللبس ولو ساعة ارتفاق كامل لوجود اشتمال المخيط على بدنه ، فيلزمه جزاء كامل . 
وجه رواية  محمد    : اعتبار البعض بالكل . 
وجه قول  أبي حنيفة  الأول : بأن الارتفاق باللبس في أكثر اليوم بمنزلة الارتفاق في كله ; لأنه ارتفاق كامل ، فإن الإنسان قد يلبس أكثر اليوم ثم يعود إلى منزله قبل دخول الليل . 
وجه قوله الآخر : أن اللبس أقل من يوم ارتفاق ناقص ; لأن المقصود منه دفع الحر والبرد وذلك باللبس في كل اليوم ، ولهذا اتخذ الناس في العادة للنهار لباسا ولليل لباسا ، ولا ينزعون لباس النهار إلا في الليل فكان اللبس في بعض اليوم ارتفاقا قاصرا ، فيوجب كفارة قاصرة وهي الصدقة كقص ظفر واحد ، ومقدار الصدقة نصف صاع من بر كذا روى  ابن سماعة  عن  أبي يوسف  أنه يطعم مسكينا نصف صاع من بر . 
وكل صدقة تجب بفعل ما يحظره الإحرام فهي مقدرة بنصف صاع إلا ما يجب بقتل القملة والجرادة . 
وروى  ابن سماعة  عن  محمد :  أن من لبس ثوبا يوما إلا ساعة فعليه من الدم بمقدار ما لبس أي : من قيمة الدم لما قلنا . 
والصحيح قول  أبي يوسف    ; لأن الصدقة المقدرة للمسكين في الشرع لا تنقص عن نصف صاع كصدقة الفطر ، وكفارة اليمين ، والفطر ، والظهار . 
وكذا لو أدخل منكبيه في القباء ، ولم يدخل يديه في كميه لكنه زره عليه أو زر عليه طيلسانا يوما كاملا ، فعليه دم لوجود الارتفاق الكامل بلبس المخيط ، إذ المزرر مخيط . 
وكذا لو غطى ربع رأسه يوما فصاعدا فعليه دم ، وإن كان أقل من الربع فعليه صدقة ، كذا ذكر في الأصل . 
وذكر  ابن سماعة  في نوادره عن  محمد  أنه لا دم عليه حتى يغطي الأكثر من رأسه ، ولا أقول : حتى يغطي رأسه كله . 
وجه رواية  ابن سماعة  عن  محمد    : أن تغطية الأقل ليس بارتفاق كامل ، فلا يجب به جزاء كامل . 
وجه رواية الأصل أن ربع الرأس له حكم الكل في هذا الباب ، كحلق ربع الرأس وعلى هذا إذا غطت المرأة ربع وجهها وكذا لو غطى الرجل ربع وجهه عندنا وعند  الشافعي  لا شيء عليه ; لأنه غير ممنوع عن ذلك عنده ، والمسألة قد تقدمت ولو عصب على رأسه ، أو وجهه يوما أو أكثر  فلا شيء عليه ; لأنه لم يوجد ارتفاق كامل وعليه صدقة ; لأنه ممنوع عن التغطية . 
ولو عصب شيئا من جسده  لعلة أو غير علة لا شيء عليه ; لأنه غير ممنوع عن تغطية بدنه بغير المخيط ، ويكره أن يفعل ذلك بغير عذر ; لأن الشد عليه يشبه لبس المخيط ، هذا إذا لبس المخيط يوما كاملا حالة الاختيار . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					