فصل  
قال  الدرجة الثالثة : علم لدني      . إسناده وجوده ، وإدراكه عيانه . ونعته حكمه . ليس بينه وبين الغيب حجاب .  
يشير القوم بالعلم اللدني إلى ما يحصل للعبد من غير واسطة ، بل بإلهام من الله ، وتعريف منه لعبده ، كما حصل  للخضر  عليه السلام بغير واسطة  موسى ،   قال الله تعالى :  آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما      .  
وفرق بين الرحمة والعلم . وجعلهما من عنده ومن لدنه إذ لم ينلهما على يد بشر ، وكان من لدنه أخص وأقرب من عنده ولهذا قال تعالى :  وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا   فالسلطان النصير الذي من لدنه سبحانه : أخص وأقرب مما عنده . ولهذا قال تعالى  واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا      . وهو الذي أيده به . والذي من عنده : نصره بالمؤمنين ، كما قال تعالى  هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين      .  
 [ ص: 446 ] والعلم اللدني ثمرة العبودية   والمتابعة ، والصدق مع الله ، والإخلاص له ، وبذل الجهد في تلقي العلم من مشكاة رسوله . وكمال الانقياد له . فيفتح له من فهم الكتاب والسنة بأمر يخصه به ، كما  قال   علي بن أبي طالب  رضي الله عنه - وقد سئل هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس ؟ - فقال : لا والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة . إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه     .  
فهذا هو العلم اللدني الحقيقي ، وأما علم من أعرض عن الكتاب والسنة ، ولم يتقيد بهما : فهو من لدن النفس والهوى ، والشيطان ، فهو لدني . لكن من لدن من ؟ وإنما يعرف كون العلم لدنيا رحمانيا : بموافقته لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل . فالعلم اللدني نوعان : لدني رحماني ، ولدني شيطاني بطناوي . والمحك : هو الوحي . ولا وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .  
وأما قصة  موسى   مع  الخضر  عليهما السلام : فالتعلق بها في تجويز الاستغناء عن الوحي بالعلم اللدني إلحاد ، وكفر مخرج عن الإسلام ، موجب لإراقة الدم .  
والفرق : أن  موسى   لم يكن مبعوثا إلى  الخضر     . ولم يكن  الخضر  مأمورا بمتابعته . ولو كان مأمورا بها لوجب عليه أن يهاجر إلى  موسى   ويكون معه . ولهذا قال له : أنت  موسى   نبي  بني إسرائيل ؟   قال : نعم .  
ومحمد   صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى جميع الثقلين . فرسالته عامة للجن والإنس ، في كل زمان . ولو كان  موسى   وعيسى   عليهما السلام حيين لكانا من أتباعه ، وإذا نزل عيسى ابن مريم عليهما السلام ، فإنما يحكم بشريعة  محمد   صلى الله عليه وسلم .  
فمن ادعى أنه مع  محمد   صلى الله عليه وسلم  كالخضر  مع  موسى      . أو جوز ذلك لأحد من الأمة : فليجدد إسلامه ، وليتشهد شهادة الحق . فإنه بذلك مفارق لدين الإسلام بالكلية . فضلا عن أن يكون من خاصة أولياء الله . وإنما هو من أولياء الشيطان وخلفائه ونوابه .  
 [ ص: 447 ] وهذا الموضع مقطع ومفرق بين زنادقة القوم ، وبين أهل الاستقامة منهم ، فحرك تره .  
قوله : إسناده وجوده .  
يعني : أن طريق هذا العلم : وجدانه ، كما أن طريق غيره : هو الإسناد .  
وإدراكه عيانه . أي إن هذا العلم لا يؤخذ بالفكر والاستنباط ، وإنما يؤخذ عيانا وشهودا .  
ونعته حكمه . يعني : أن نعوته لا يوصل إليها إلا به ، فهي قاصرة عنه ، يعني أن شاهده منه ، ودليل وجوده . وإنيته لميته ، فبرهان الإن فيه . هو برهان اللم . فهو الدليل . وهو المدلول . ولذلك لم يكن بينه وبين الغيوب حجاب . بخلاف ما دونه من العلوم . فإن بينه وبين العلوم حجابا .  
والذي يشير إليه القوم : هو نور من جناب المشهود . يمحو قوى الحواس وأحكامها . ويقوم لصاحبها مقامها . فهو المشهود بنوره ، ويفنى ما سواه بظهوره ، وهذا عندهم معنى الأثر الإلهي فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، فبي يسمع . وبي يبصر .  
والعلم اللدني الرحماني : هو ثمرة هذه الموافقة ، والمحبة التي أوجبها التقرب بالنوافل بعد الفرائض .  
واللدني الشيطاني : ثمرة الإعراض عن الوحي ، وتحكيم الهوى والشيطان . والله المستعان .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					