فصل منزلة البسط  
ومن منازل  إياك نعبد وإياك نستعين   منزلة البسط ، والتخلي عن القبض      .  
وهي منزلة شريفة لطيفة . وهي عنوان على الحال . وداعية لمحبة الخلق .  
وقد غلط صاحب " المنازل " حيث صدرها بقوله تعالى ، حاكيا عن كليمه  موسى   عليه الصلاة والسلام :  إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء      . وكأنه فهم من هذا الخطاب : انبساطا بين  موسى   وبين الله تعالى . حمله على أن قال :  إن هي إلا فتنتك      .  
وسمعت بعض  الصوفية   يقول لآخر - وهما في الطواف - لما قال :  إن هي إلا فتنتك   تدارك هذا الانبساط بالتذلل بقوله :  أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين   أو نحو من هذا الكلام .  
وكل هذا وهم . وفهم خلاف المقصود . فالفتنة هاهنا : هي الامتحان . والاختبار . كقوله تعالى :  وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا   وقوله :  ونبلوكم بالشر والخير فتنة      .  
 [ ص: 337 ] والمعنى : أن هذه الفتنة اختبار منك لعبدك ، وامتحان . تضل بها من تشاء . وتهدي من تشاء . فأي تعلق لهذا بالانبساط ؟ وهل هذا إلا توحيد ، وشهود للحكمة ، وسؤال للعصمة ، والمغفرة ؟ وليس للعارف في هذه المنزلة حظ مع الله . وإنما هي متعلقة بالخلق .  
و صاحب " المنازل " : جعلها ثلاث درجات . الأولى : مع الناس ، والثانية ، والثالثة : مع الله . وسنبين ما في كلامه بحول الله وقوته وتوفيقه .  
قال : الانبساط : إرسال السجية ، والتحاشي من وحشة الحشمة .  
السجية الطبع ، وجمعها سجايا ، يقال : سجية ، وخليقة ، وطبيعة ، وغريزة . وإرسالها : تركها في مجراها .  
والتحاشي من وحشة الحشمة . التحاشي : هو تجنب الوحشة الواقعة بينك وبين من تحبه وتخدمه . فإن مرتبته تقتضي احتشامه ، والحياء منه ، وإجلاله عن انبساطك إليه . وذلك نوع وحشة ، فالانبساط : إزالة تلك الوحشة لا تسقطك من عينه . بل تزيدك حبا إليه . ولا سيما إذا وقع في موقعه .  
قال : وهو السير مع الجبلة ، أي المشي مع ما جبل الله عليه العبد من الأخلاق من غير تكلف .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					