فروى   الزهري  ، عن   أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي  ، عن   أم سلمة  زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت :  لما نزلنا أرض  الحبشة   جاورنا بها خير جار :   النجاشي  ، أمنا على ديننا ، وعبدنا الله لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه ،  فلما بلغ ذلك  قريشا   ائتمروا على أن يبعثوا إلى   النجاشي  هدايا مما يستظرف ، ومن متاع  مكة    ، وكان من أعجب ما يأتيه منها الأدم فجمعوا له أدما كثيرا ، ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا   [ ص: 258 ] له ، ثم بعثوا بذلك مع  عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي  ،   وعمرو بن العاص  ، وأمروهما أمرهم ، وقالوا لهما : ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا   النجاشي  فيهم ، ثم قدما إلى   النجاشي  هداياه ، ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم . قالت : فخرجا ، فقدما على   النجاشي  ، ونحن عنده بخير دار ، وعند خير جار ، فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته ، قبل أن يكلما   النجاشي  ، ثم قالا إلى كل بطريق : إنه قد صبأ إلى بلد الملك منا سفهاء ، فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينكم ، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم ، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم لتردهم إليهم ، فإذا كلمنا المليك فيهم فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ، ولا يكلمهم ، فإن قومهم أعلى بهم عينا ، وأعلم بما عابوا عليهم ، فقالوا : نعم . ثم إنهما قربا هداياهم إلى   النجاشي  فقبلها منهما ، ثم كلماه فقالوا له : أيها الملك ، إنه قد صبأ إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك ، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم ، فهم أعلى بهم عينا ، وأعلم بما عابوا عليهم وعاينوهم فيه ، قالت : ولم يكن شيء أبغض إلى  عبد الله بن أبي ربيعة   وعمرو بن العاص  من أن يسمع   النجاشي  كلامهم ، فقالت بطارقته حوله : صدقوا أيها الملك ، قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا   [ ص: 259 ] عليهم ، فأسلمهم إليهما ليردوهم إلى بلادهم وقومهم ، قالت : فغضب   النجاشي  ، ثم قال : والله لا أسلمهم إليهما ، ولا أكاد أن أسلم أقواما جاوروني ، ونزلوا بلادي ، واختاروني على من سواي ، حتى أدعوهم فأسألهم ما يقول هذان في أمرهم ، فإن كانا كما يقولان أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم ، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما ، وأحسنت جوارهم ما جاوروني . قالت : ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم ، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ، ثم قال بعضهم لبعض : ما تقولون للرجل إذا جئتموه ؟ قالوا : نقول ، والله ، ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائنا في ذلك ما هو كائن ، فلما جاءوه - وقد دعا   النجاشي  أساقفته ، فنشروا مصاحفهم حوله - سألهم فقال : ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ، ولا دين أحد من هذه الأمم ؟  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					