[ ص: 63 ] وأما قوله - تعالى - : 
قل ياأيها الكافرون   ( 1 ) لا أعبد ما تعبدون   ( 2 ) ولا أنتم عابدون ما أعبد   ( 3 ) ولا أنا عابد ما عبدتم   ( 4 ) ولا أنتم عابدون ما أعبد   ( 5 ) لكم دينكم ولي دين  فهو أمر بالقول لجميع الكافرين من المشركين وأهل الكتاب ، فإن أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بما أنزل إليه من ربه كافرون قد شهد عليهم بالكفر وأمر بجهادهم وكفر من لم يجعلهم كافرين ويوجب جهادهم قال - تعالى - : 
لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة   . 
وقال - تعالى - : 
لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم   . 
وقال - تعالى - : 
 [ ص: 64 ] لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة   . 
وقال - تعالى - : 
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون   . 
وحرف ( من ) في هذه المواضع لبيان الجنس ، فتبين جنس المتقدم ، وإن كان ما قبلها يدخل في جميع الجنس الذي بعدها ، بخلاف ما إذا كان للتبعيض كقوله : 
لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب   . 
فإنه يدخل في الذين كفروا بعد مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - جميع المشركين ، وأهل الكتاب . 
وكذلك دخل في الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ، ولا يدينون دين الحق جميع أهل الكتاب الذين بلغتهم دعوته ، ولم يؤمنوا به ، وكذلك قوله : 
 [ ص: 65 ] وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات   . 
وإن كان جميعهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وهذا إذا كان الجنس يتناول المذكورين وغيرهم ، ولكن لم يبق في الجنس إلا المذكورون ، كما يقول : هنا رجل من بني عبد المطلب ،  وإن لم يكن بقي منهم غيره . 
ووصفهم بالشرك ، وبأنهم يعبدون غير الله ، كما قال - تعالى - : 
اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون   . 
فأخبر أنهم اتخذوا من دون الله أربابا واتخذوا المسيح  ربا وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا وهؤلاء باتخاذهم غيره أربابا عبدوهم فأشركوا بالله - سبحانه و تعالى عما يشركون - . 
وقال - تعالى - : 
 [ ص: 66 ] ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون   ( 79 ) ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون   . 
فقد أخبر أيضا أنه من اتخذ الملائكة والنبيين أربابا فإنه كافر   . 
وقال - تعالى - : 
لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم   ( 73 ) أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم   ( 74 ) ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون   ( 75 ) قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم  
( فقد وبخ أهل التثليث على أنهم يعبدون ما لا يملك لهم ضرا ولا نفعا  والله هو السميع العليم ) فدخلوا في قوله : 
 [ ص: 67 ] قل ياأيها الكافرون   ( 1 ) لا أعبد ما تعبدون   ( 2 ) ولا أنتم عابدون ما أعبد   . 
كما دخل في ذلك غيرهم من الكفار ، لا سيما وقد دخل في ذلك اليهود ،  وهم أولى بالدخول من غيرهم ، فإن قوله : ( ما تعبدون ) يتناول صفات المعبود ، والإله الذي يعبده المؤمنون هو الإله الذي أنزل التوراة والإنجيل والقرآن ، وأرسل موسى  وعيسى  ومحمدا   - صلوات الله عليهم وسلامه - . 
والإله المتصف بهذه الصفات لا يعبده اليهود  والنصارى ،  وهذا كقوله : 
قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون   . 
فهذا الإله الذي يعبده محمد  وأمته ، وليس هو إله المشركين الذي يعبدونه ، وإن كان هو المستحق لأن يعبدوه فإنهم يشركون بعبادته ويصفونه بما هو بريء منه فلا يخلصون له الدين ، فيعبدوا معه آلهة أخرى إن لم يستكبروا عن عبادته ، وإله العبد الذي يعبده بالفعل ليس حاله معه كحاله مع الذي يستحق أن يعبده ، وهو لا يعبده ، بل يشرك به أو يستكبر عن عبادته ، فهذا هو الذي قال فيه : لا أعبد ما تعبدون   . 
والشرك غالب على النصارى ، والكبر غالب على اليهود   . 
				
						
						
