[ ص: 327 ] [ ص: 328 ] ولما فتح خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعثمان العراق وخراسان ضربوا الجزية على المجوس ، كما ضربوها على النصارى بعد أن دعوهم إلى الإسلام ، كما دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم الجزية على اليهود والنصارى والمجوس بعد أن دعاهم إلى الله عز وجل ، فإنه صلى الله عليه وسلم بعث العلاء بن الحضرمي إلى [ ص: 329 ] المنذر بن ساوى العبدي صاحب هجر - وهي قرية بالبحرين - بكتابه صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام ، قال العلاء : فلما دخلت عليه قلت : يا منذر ، إنك عظيم العقل في الدنيا ، فلا تصغرن عن الآخرة ، إن هذه المجوسية شر دين ، ليس فيها تكرم العرب ، ولا علم أهل الكتاب ، ينكحون ما يستحى من نكاحه ، ويأكلون ما يتكرم عن أكله ، ويعبدون في الدنيا نارا تأكلهم يوم القيامة ، ولست بعديم عقل ولا رأي ، فانظر هل ينبغي لمن لا يكذب أن تصدقه ، ولمن لا يخون أن تأمنه ، ولمن لا يخلف أن تتثق به ، فإن كان هذا هكذا فهذا هو [ ص: 330 ] النبي صلى الله عليه وسلم الأمي الذي - والله - لا يستطيع ذو عقل أن يقول ليت ما أمر به نهى عنه ، أو ما نهى عنه أمر به ، أو ليته زاد في عفوه أو نقص من عقابه ، إن ذلك منه على أمنية أهل العقل وفكر أهل البصر .
فقال المنذر : قد نظرت في هذا الذي في يدي فوجدته للدنيا دون الآخرة ، ونظرت في دينكم فوجدته للآخرة والدنيا ، فما يمنعني من قبول دين فيه أمنية الحياة وراحة الممات ، ولقد عجبت أمس ممن يقبله ، وعجبت اليوم ممن يرده ، وإن من إعظام من جاء به أن يعظم رسوله ، وسأنظر ، ثم أسلم المنذر ، وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام والتصديق .
وقال عمرو بن عوف : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة إلى البحرين ، فأتى بجزيتها ، وكان رسول الله [ ص: 331 ] صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين ، وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي ، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين ، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة ، فوافوا صلاة الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما صلى بهم الفجر انصرف ، فتعرضوا له فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم ، وقال : أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء قالوا : أجل يا رسول الله . قال : أبشروا وأملوا ما يسركم ، فوالله لا الفقر أخشى عليكم ، ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتتنافسوها كما تنافسوها ، فتهلككم كما أهلكتهم . أخرجاه في الصحيحين .
وأخرج البخاري ، عن بجالة بن عبدة ، أنه قال : أتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة : فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس . ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس ، حتى شهد عبد [ ص: 332 ] الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر .
وقال ابن شهاب : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من مجوس هجر ، وأخذ عمر بن الخطاب الجزية من مجوس فارس ، وأخذها عثمان بن عفان من البربر .
قال ابن شهاب : أول من أعطى الجزية من أهل الكتاب أهل نجران فيما بلغنا وكانوا نصارى ، وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من أهل البحرين وكانوا مجوسا ، ثم أدى أهل ( أيلة ) [ ص: 333 ] وأهل ( أذرح ) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية في غزوة تبوك ، وبعث خالد بن الوليد إلى أهل دومة الجندل ، فأسروا رئيسهم أكيدر ، فبايعوه على الجزية .
[ ص: 334 ] قال أبو عبيد : الجزية مأخوذة من أهل الكتاب بالتنزيل ، ومن المجوس والبربر وغيرهم بالسنة .


