[ ص: 110 ] سياق  
ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صفة أولياء الله الذين يكونون من بعده ، ومن عرفهم من أصحابه ، وتابعيه بنعته لهم وصفته إياهم .  
(منهم أويس القرني )  
55 - أخبرنا  محمد بن عبد الله بن القاسم  ،  وعبيد الله بن عثمان   [ ص: 111 ] بن علي  ، قالا : أنا   الحسين بن إسماعيل  ، قال : ثنا   محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي  ، قال : ثنا   معاذ بن هشام  ، ثنا أبي ، عن  قتادة  ، عن   زرارة بن أوفى  ، عن  أسير بن جابر  ، قال :  كان   عمر بن الخطاب     - رضي الله - عنه إذا أتت عليه أمداد  اليمن   سألهم : أفيكم   أويس بن عامر  ؟ حتى أتى على  أويس  ، فقال : أنت   أويس بن عامر  ؟ قال : نعم ، قال : من  مراد   ؟ قال : نعم ، قال : ثم من  قرن   ؟ قال : نعم ، قال : ألك والدة أنت بها بر ؟ قال : نعم ، قال : وكان بك وضح فبرئت منه إلا موضع الدرهم ؟ قال : نعم ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " يأتي عليك   أويس بن عامر  مع أمداد  اليمن   ، ثم من  مراد   ، ثم من  قرن   ، كان به برص فبرئ منه إلا موضع درهم ، له والدة وهو بها بر ، لو أقسم على الله تعالى لأبره ، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل " ، فاستغفر لي     . نا  سعيد  به إلى ههنا اتفقا ،  
زاد  ابن القاسم  في حديثه :  قال : أين تريد ؟ قال :  الكوفة   ، قال : ألا أكتب لك إلى عاملها فيستوصي بك ؟ قال : لأن أكون في غبرات الناس أحب إلي ، قال : فلما كان العام المقبل حج رجل من أشرافهم ، فقال له  عمر     : كيف تركت  أويسا  ؟ قال : رث البيت ، قليل المتاع ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " يأتي عليك  أويس   [ ص: 112 ] بن عامر  مع أمداد  أهل اليمن   ، من  مراد   ، ثم من  قرن   ، له والدة وهو بها بر ، وكان به برص فبرئ منه إلا موضع درهم ، لو أقسم على الله لأبره ، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل " . فلما قدم الرجل  الكوفة   أتى  أويسا  ، فقال : استغفر لي ، فقال : أنت أحدث عهدا بسفر صالح ، فاستغفر لي ، قال : لقيت  عمر  ؟ قال : نعم ، قال : فاستغفر له ، قال : ففطن له الناس ، فانطلق على وجهه حتى أتى الجزيرة ، فمات بها ، قال  أسير     : وكسوته بردا ، فكان كلما رآه عليه إنسان قال : من أين  لأويس  هذا ؟ !  أخرجه  مسلم  عن  بندار  ،   ومحمد بن المثنى     .  
56 - أخبرنا  محمد بن عبيد الله بن القاسم  ، قال : ثنا  محمد بن أحمد بن يعقوب  ، قال : ثنا  جرير  ، قال : حدثني  محمد بن أبي عتاب  ، قال : ثنا  عبد الله بن صالح  ، قال : حدثني  الليث  ، قال : حدثني   سعيد بن أبي سعيد المقبري  ،  عن   أبي هريرة  ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :      [ ص: 113 ] ليشفعن رجل من أمتي في أكثر من  مضر   قالها الثانية ، فقال  أبو بكر     : يا رسول الله : إن  تميما   من  مضر      . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  ليشفعن رجل من أمتي لأكثر من  بني تميم   ، ومن  مضر   ، وإنه   أويس القرني      .  
57 - أخبرنا  محمد بن عبد الرحمن  ، أنا  عبد الله بن محمد   [ ص: 114 ] البغوي  ، قال : ثنا  أبو روح محمد بن زياد  قال : ثنا  أبو شهاب  ، عن   يونس بن عبيد  ،  عن  الحسن  ، قال : يخرج من النار - بشفاعة رجل ليس بنبي أكثر من  ربيعة   ومضر   ، قال  أبو روح     : حدثنا  فضيل بن هشام  ، عن  الحسن  ، قال : هو  أويس     .  
58 - أخبرنا  أحمد  ، ثنا  علي  ، ثنا  أحمد  ، ثنا   أبو أحمد الزبيري  ، ثنا  شريك  ، عن   يزيد بن أبي زياد  ، عن   عبد الرحمن بن أبي ليلى  ، قال :      [ ص: 115 ] نادى مناد يوم  صفين      : أفيكم   أويس القرني  ؟ قيل : نعم ، فقال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "  إن من خير التابعين بإحسان   أويسا القرني     " ، قال : ثم دخل معهم .  
59 - أخبرنا  محمد  ، أنا  محمد بن أحمد  ، ثنا جدي  يعقوب  ، قال : ثنا   أبو نعيم الفضل بن دكين ،  قال : ثنا  شريك  ، عن   يزيد بن أبي زياد  ، عن   ابن أبي ليلى  ، قال : نادى مناد يوم  صفين      : فيكم   أويس القرني  ؟ قالوا : نعم . فضرب دابته فدخل فيهم ، ثم قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "  من خير التابعين   أويس القرني      " .  
60 - أخبرنا  أحمد بن عبيد  ، أنا   علي بن عبد الله بن مبشر  ، قال :      [ ص: 116 ] ثنا   أحمد بن سنان  ، قال : ثنا  أبو النضر هاشم بن القاسم  ، قال : ثنا   سليمان بن المغيرة  ، قال : حدثني   سعيد الجريري  ، عن   أبي نضرة  ، عن  أسير بن جابر  ، قال : كان محدث  بالكوفة   يحدثنا ، فإذا فرغ قال : تفرقوا ، ويبقى رهط فيهم رجل يتكلم بكلام لا أسمع أحدا يتكلم بكلامه فأحببته ، ففقدته فقلت لأصحابي : هل تعرفون رجلا كان يجالسنا كذا وكذا ؟ فقال رجل من القوم : أنا أعرفه ، ذاك   أويس القرني .  قلت : فتعلم منزله ؟ قال : نعم ، قال : فانطلقت معه ، فجعلت أبتغيه حتى ضربت حجرته ، فخرج إلي ، قال : فقلت : يا أخي ، ما حبسك عنا ؟ قال : العري . وكان أصحابنا يسخرون منه ويؤذونه ، قال : قلت : خذ هذا البرد فالبسه ، قال : لا تفعل ، فإنهم إذا يؤذوني إذا رأوه علي ، قال : فلم أزل به حتى لبسه ، فخرج عليهم ، قالوا : من ترون خدع عن برده هذا ؟      [ ص: 117 ] قال : فجاء فوضعه ، قال : أترى ؟ ! قال  أسير     : فأتيت المجلس ، فقلت : ما تريدون من هذا الرجل ؟ ! قد آذيتم الرجل ، يعرى مرة ويكتسي مرة ؛ فأخذتهم بلساني أخذا شديدا ، قال : فقضي أن أهل  الكوفة   وفدوا إلى  عمر  ، فوفد رجل معهم كان يسخر به ، فقال  عمر     : هل هاهنا أحد من  القرنيين   ؟ قال : فجاء ذلك الرجل ، قال : فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :    " إن رجلا يأتيكم من  اليمن   يقال له  أويس  ، لا يدع غير أم له ، قد كان به بياض ، فدعا الله عز وجل فأذهبه عنه إلا موضع الدينار أو الدرهم ، فمن لقيه منكم فأمروه أن يستغفر لكم "     . قال : فقدم علينا ، قال : قلت : من أين ؟ قال : من  اليمن   ، قال : قلت : ما اسمك ؟ قال :  أويس  ، قال : فمن تركت ؟ قال : أما لي ، قال : أكان بك وضح فدعوت الله فأذهب به عنك ؟ قال : نعم . قال : استغفر لي ، قال : أويستغفر مثلي لمثلك يا أمير المؤمنين ؟ قال : فاستغفر له ، قال : قلت : أنت أخي لا تفارقني ، قال : فانملس مني ، فأنبئت أنه قدم عليكم  الكوفة      .      [ ص: 118 ] قال : فجعل ذاك الذي كان يسخر به ويحقره يقول : ما هو فينا وما نعرفه ، قال  عمر     : بلى ، إنه رجل كذا وكذا - كأنه يضع شأنه ، قال : فينا يا أمير المؤمنين رجل يقال له  أويس  نسخر به ، قال : أدركه ، ولا أراك تدركه ، قال : فأقبل ذلك الرجل حتى دخل عليه قبل أن يأتي أهله ، قال له  أويس     : ما هذا بعادتك ، فما بدا لك ؟ قال : سمعت  عمر  يقول كذا وكذا ، استغفر لي يا  أويس  ، قال : لا أفعل حتى تجعل لي عليك أن لا تسخر بي فيما بعد ، ولا أن تذكر الذي سمعته من  عمر  إلى أحد ، قال : فاستغفر له ، قال  أسير     : فما لبثنا أن فشا أمره  بالكوفة   ، قال  أسير :  فأتيته فدخلت عليه ، فقلت : يا أخي ، ألا أراك العجب ونحن لا نشعر ؟ قال : فما كان في هذا ما أتبلغ به في الناس ، وما يجزى كل عبد إلا بعمله ، قال : ثم انملس منهم فذهب ، أخرجه  مسلم  ، عن  زهير  ، عن  أبي النضر     .  
61 - أخبرنا  محمد  ، أنا  محمد  ، قال : حدثني جدي ، قال : ثنا      [ ص: 119 ] عبد الله بن عيسى  ، قال : ثنا  عبيد الله بن شميط  ، عن أبيه ، عن  أسلم العجلي  ، يقول : حدثني  أبو الضحاك الجرمي  ،  عن   هرم بن حيان العبدي  ، قال : قدمت  الكوفة   فلم يكن لي هم إلا   أويس القرني  أطلبه وأسأل عنه ؛ حتى سقطت عليه جالسا وحده على  شاطئ الفرات   نصف النهار يتوضأ ويغسل ثوبه ، فعرفته بالنعت الذي نعت لي ، فإذا رجل آدم لحيم شديد الأدمة أشعر محلوق الرأس كث اللحية عليه إزار من صوف ورداء من صوف بغير حذاء كريه الوجه مهيب المنظر جدا ، فسلمت عليه فرد علي ونظر إلي ، فقال : حياك الله من رجل ، ومددت يدي إليه لأصافحه فأبى أن يصافحني فقال : - هكذا - وأنت فحياك الله ، فقلت : رحمك الله يا  أويس ،  وغفر لك ، كيف أنت رحمك الله ؟ ثم خنقتني العبرة من حبي إياه ورقتي إذ رأيت من حاله ما رأيت حتى      [ ص: 120 ] بكيت ، فبكى ، ثم قال : وأنت رحمك الله يا   هرم بن حيان  ، وغفر لك ، كيف أنت يا أخي ؟ من دلك علي ؟ قال : قلت : الله ، قال : لا إله إلا الله ،  سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا   حين سماني وعرفني ، قال : لا والله ما رأيته قط ولا رآني ، قلت : من أين عرفتني وعرفت اسمي واسم أبي ؟ والله ما رأيتك قط قبل اليوم ، قال :  نبأني العليم الخبير   ، عرفت روحي روحك حيث كلمت نفسي نفسك ، إن الأرواح لها أنفس كأنفس الأحياء ، إن المؤمنين يعرف بعضهم بعضا ، ويتحابون بروح الله - عز وجل - وإن لم يلتقوا ، ويتعارفوا ، ويتكلموا ، وإن نأت بهم الديار وتفرقت بهم المنازل ، قال : قلت : حدثني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحديث أحفظه عنك ، قال : إني لم أدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن لي معه صحبة ، ولكن قد رأيت رجالا قد رأوه ، وقد بلغني من حديثه كبعض ما بلغكم ، ولم أحب أن ( أفتح هذا الباب ) على نفسي ، ولا أحب أن أكون محدثا ، أو قاضيا ، أو مفتيا ، في النفس شغل عن الناس يا   هرم بن حيان  ، قال : قلت : يا أخي ، اقرأ علي آيات من كتاب الله - عز وجل - أسمعهن منك ، فإني أحبك في الله حبا شديدا ، وادع لي بدعوات ، وأوصني بوصية أحفظها عنك ، قال : فقام فأخذ بيدي على  شاطئ الفرات   ، ثم قال : أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم      [ ص: 121 ] قال : ثم شهق شهقة ثم بكى مكانه ثم قال : قال ربي - وأحق القول قول ربي ، وأصدق الحديث حديثه ، وأحسن الكلام كلامه - : (  وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق      ) حتى بلغ (  إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم      ) ، ثم شهق شهقة ، ثم سكت ، فنظرت إليه وأنا أحسبه قد غشي عليه ، ثم قال : يا   هرم بن حيان  مات أبوك ويوشك أن تموت ، ومات  أبو حيان  ، فإما إلى جنة ، وإما إلى نار ، ومات  آدم ،   وماتت  حواء  ، يا   ابن حيان  ، ومات  نوح   ،  وإبراهيم   خليل الرحمن ، يا   ابن حيان  ، ومات  موسى   نجي الرحمن ، يا   ابن حيان  ، ومات  داود   خليفة الرحمن ، ومات  محمد      - صلى الله عليه وسلم - رسول الرحمن ، ومات  أبو بكر  خليفة المسلمين ، يا   ابن حيان  ، ومات أخي وصديقي وصفيي   عمر بن الخطاب  ، ثم قال : واعمراه رحمك الله يا  عمر     -  وعمر  يومئذ حي وذلك في آخر خلافته -  
قال : قلت : رحمك الله إن  عمر  لم يمت بعد ، قال : بلى ، إن ربي قد نعاه إلي إن كنت تفهم فقد علمت ما قلت ، وأنا وأنت في الموتى ، وقد كان صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعا بدعوات خفاف ، ثم قال : هذه وصيتي إياك يا   هرم بن حيان  ؛ كتاب الله - عز وجل - واللقاء بالصالحين من المؤمنين ، نعيت إلي نفسي ونفسك ، فعليك بذكر الموت لا يفارقن قلبك طرفة عين ، وأنذر قومك إذا رجعت إليهم ، وانصح لأهل ملتك جميعا ، واكدح لنفسك ، وإياك أن تفارق الجماعة فتفارق دينك وأنت لا تعلم ، فتدخل النار يوم القيامة يا   هرم بن حيان   [ ص: 122 ] قال : ثم قال : اللهم إن هذا يزعم أنه يحبني فيك وزارني من أجلك ، اللهم عرفني وجهه في الجنة ، وأدخله علي زائرا في دارك السلام ، واحفظه ما دامت الدنيا حيثما كان ، وضم عليه ضيعته ، وارضه من الدنيا باليسير ، وما أعطيته من الدنيا فيسره له ، واجعله لما تعطيه من عمل من الشاكرين ، واجزه خير الجزاء ، أستودعك الله يا   هرم بن حيان  ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ، ثم قال : لا أراك بعد اليوم - رحمك الله - فإني أكره الشهرة ؛ والوحدة أحب إلي لأني شديد الغم كثير الهم ما دمت مع هؤلاء الناس حيا في الدنيا ، ولا تسأل عني ، ولا تطلبني ، واعلم أنك مني على بال ، وإن لم ترن فاذكرني وادع لي ، فإني سأذكرك وأدعو لك إن شاء الله ، انطلق ههنا حتى آخذ ههنا . قال : فحرصت عليه أن أمشي معه ساعة فأبى علي ففارقته يبكي وأبكي ، قال : فجعلت أنظر في قفاه حتى دخل في بعض السكك ، فكم طلبته بعد ذلك وسألت عنه فما وجدت أحدا يخبرني عنه بشيء - فرحمه الله - ، وما أتت علي جمعة إلا وأنا أراه في منامي مرة ، أو مرتين  ، أو كما قال .  
				
						
						
