[ ص: 157 ] فصل 
قال الرافضي [1]  : " البرهان السابع عشر : قوله تعالى : ( الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله   )  الآيات [ سورة التوبة : 20 ] . روى رزين بن معاوية  [2] في " الجمع بين الصحاح الستة " أنها نزلت في  علي  لما افتخر طلحة بن شيبة   والعباس   . وهذه لم تثبت [3] لغيره من الصحابة ، فيكون أفضل [4] ، فيكون هو الإمام " . 
والجواب من وجوه : أحدها : المطالبة بصحة النقل . ورزين  [5] قد ذكر في كتابه أشياء ليست في الصحاح . 
الثاني : أن الذي في الصحيح ليس كما ذكره عن رزين  ، بل الذي في الصحيح ما رواه [6]  النعمان بن بشير  ، قال : كنت عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رجل : لا أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج . وقال آخر لا أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن  [ ص: 158 ] أعمر المسجد الحرام . وقال آخر : الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم . فزجرهم  عمر  ، وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو يوم الجمعة ، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه . فأنزل الله تعالى : ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله   ) الآية إلى آخرها [7]  [ سورة التوبة : 19 ] أخرجه  مسلم  [8]  . 
وهذا الحديث يقتضي أن قول  علي  الذي فضل به الجهاد على السدانة والسقاية - أصح من قول من فضل السدانة والسقاية ، وأن  عليا  كان أعلم بالحق في هذه المسألة ممن نازعه فيها . وهذا صحيح . 
 وعمر  قد وافق ربه في عدة أمور ، يقول شيئا وينزل القرآن بموافقته . قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : لو اتخذت من مقام إبراهيم  مصلى ، فنزلت : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى   ) [ سورة البقرة : 125 ] ، وقال : إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر ، فلو أمرتهن بالحجاب ، فنزلت آية الحجاب . وقال : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات  ، فنزلت كذلك [9]  . وأمثال ذلك . وهذا كله ثابت في الصحيح . وهذا أعظم من تصويب  علي  في مسألة واحدة . 
وأما التفضيل بالإيمان والهجرة والجهاد  ، فهذا ثابت لجميع الصحابة الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ، فليس هاهنا فضيلة اختص بها  علي  ، حتى يقال : إن هذا لم يثبت لغيره . 
 [ ص: 159 ] الثالث : أنه لو قدر أنه اختص بمزية فهذه ليست من خصائص الإمامة ، ولا موجبة لأن يكون أفضل مطلقا . فإن الخضر  لما علم ثلاث مسائل لم يعلمها موسى  لم يكن أفضل من موسى  مطلقا ، والهدهد لما قال لسليمان   : ( أحطت بما لم تحط به   ) [ سورة النمل : 22 ] لم يكن أعلم من سليمان  مطلقا . 
الرابع : أن  عليا  كان يعلم هذه المسألة ، فمن أين يعلم أن غيره من الصحابة لم يعلمها ؟ فدعوى اختصاصه بعلمها باطل ، فبطل الاختصاص على التقديرين . بل من المعلوم بالتواتر أن جهاد  أبي بكر  بماله أعظم من جهاد  علي  ،  فإن  أبا بكر  كان موسرا ، قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - :  " ما نفعني مال كمال  أبي بكر   " [10]  وعلي  كان فقيرا ،  وأبو بكر  أعظم جهادا بنفسه ، كما سنذكره - إن شاء الله تعالى [11]  - . 
				
						
						
