[ ص: 589 ]  ( فصل ) 
[1]  . 
قال الرافضي 
[2]  : " فلينظر العاقل أي الفريقين أحق بالأمن : الذي نزه الله وملائكته وأنبياءه وأئمته ; ونزه 
[3] الشرع عن المسائل الردية 
[4] ، ومن يبطل 
[5] الصلاة بإهمال الصلاة على أئمتهم ، ويذكر أئمة غيرهم 
[6] ، أم الذي فعل ضد ذلك واعتقد خلافه ؟ " .  
والجواب أن يقال : ما ذكرتموه من التنزيه إنما هو تعطيل وتنقيص لله ولأنبيائه . [ بيان ] ذلك أن 
[7] قول الجهمية  نفاة الصفات  يتضمن وصف الله تعالى بسلب صفات الكمال التي يشابه فيها الجمادات والمعدومات ، فإذا قالوا : إنه لا تقوم به حياة ولا علم ولا قدرة ، ولا كلام ولا مشيئة ، ولا حب ولا بغض ، ولا رضا ولا سخط ، ولا يرى ولا يفعل بنفسه فعلا ، ولا يقدر أن يتصرف بنفسه ، كانوا قد شبهوه بالجمادات المنقوصات ، وسلبوه صفات الكمال ، فكان هذا تنقيصا وتعطيلا لا تنزيها ، وإنما التنزيه أن ينزه  [ ص: 590 ] عن النقائص المنافية لصفات الكمال ، فينزه عن الموت والسنة والنوم ، والعجز والجهل والحاجة ، كما نزه نفسه في كتابه ، فيجمع له بين إثبات صفات الكمال ، ونفي النقائص المنافية للكمال ، وينزه عن مماثلة شيء من المخلوقات له في شيء من صفاته ، وينزه عن النقائص مطلقا ، وينزه في صفات الكمال أن يكون له فيها مثل من الأمثال . 
وأما الأنبياء فإنكم سلبتموهم ما أعطاهم الله من الكمال وعلو الدرجات ، بحقيقة التوبة والاستغفار ، والانتقال من كمال إلى ما هو أكمل منه 
[8] ، وكذبتم ما أخبر الله به من ذلك ، وحرفتم الكلم عن مواضعه ، وظننتم أن انتقال الآدمي من الجهل إلى العلم ، ومن الضلال إلى الهدى ، ومن الغي إلى الرشاد ، تنقصا 
[9] ، ولم تعلموا أن هذا من أعظم نعم الله وأعظم قدرته ، حيث ينقل العباد من النقص إلى الكمال ، وأنه قد يكون الذي يذوق الشر والخير ويعرفهما ، يكون 
[10] حبه للخير وبغضه للشر أعظم ممن لا يعرف إلا الخير . كما قال  عمر بن الخطاب   - رضي الله عنه - : " إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية  " . 
وأما تنزيه الأئمة فمن الفضائح التي يستحيا 
[11] من ذكرها ، لا سيما الإمام المعدوم الذي لا ينتفع به لا في دين ولا دنيا . 
وأما تنزيه الشرع عن المسائل الردية ، فقد تقدم أن أهل السنة لم يتفقوا  [ ص: 591 ] على مسألة ردية ، بخلاف الرافضة   ; فإن لهم من المسائل الردية ما لا يوجد لغيرهم . 
وأما قوله : " ومن يبطل الصلاة بإهمال الصلاة على أئمتهم ، ويذكر أئمة غيرهم " . 
فإما أن يكون المراد بذلك أنه تجب الصلاة على الأئمة الاثني عشر ، أو على واحد معين غير النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم أو من غيرهم . 
وأما أن يكون المراد وجوب الصلاة على [ آل ] 
[12] النبي - صلى الله عليه وسلم - . فإن أراد 
[13] الأول فهذا من أعظم ضلالهم وخروجهم عن شريعة محمد   - صلى الله عليه وسلم - ; فإنا نحن وهم نعلم بالاضطرار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر المسلمين أن يصلوا على الاثني عشر : لا في الصلاة ، ولا في غير [ الصلاة ] 
[14] ، ولا كان أحد من المسلمين يفعل شيئا من ذلك على عهده ، ولا نقل هذا أحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا بإسناد صحيح ولا ضعيف ، ولا كان يجب على أحد في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتخذ أحدا من الاثني عشر إماما ، فضلا عن أن تجب الصلاة عليه في الصلاة . 
وكانت صلاة المسلمين صحيحة في عهده 
[15] بالضرورة والإجماع . فمن أوجب الصلاة على هؤلاء في الصلاة ، وأبطل الصلاة بإهمال الصلاة  [ ص: 592 ] عليهم ، فقد غير دين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبدله ، كما بدلت اليهود  والنصارى  دين الأنبياء . 
وإن قيل : المراد أن يصلى على آل محمد  ، وهم منهم . 
قيل : آل محمد  يدخل فيهم 
[16] بنو هاشم  وأزواجه ، وكذلك بنو المطلب  على أحد 
[17] القولين . وأكثر هؤلاء تذمهم الإمامية   ; فإنهم 
[18] يذمون ولد  العباس  ، لا سيما خلفاؤهم ، وهم من آل محمد   - صلى الله عليه وسلم - ويذمون من يتولى  أبا بكر   وعمر   . وجمهور بني هاشم  يتولون  أبا بكر   وعمر  ، ولا يتبرأ منهم صحيح النسب من بني هاشم  إلا نفر قليل 
[19] بالنسبة إلى كثرة بني هاشم   . وأهل العلم [ والدين ] 
[20] منهم يتولون  أبا بكر   وعمر   - رضي الله عنهما - . 
ومن العجب من هؤلاء الرافضة  أنهم يدعون تعظيم آل محمد   - عليه أفضل الصلاة والسلام - وهم سعوا في مجيء التتر  
[21] الكفار إلى بغداد  دار الخلافة  ، حتى قتلت الكفار من المسلمين ما لا يحصيه إلا الله تعالى [ من بني هاشم  وغيرهم ] 
[22] وقتلوا بجهات بغداد  ألف ألف وثمانمائة ألف ونيفا وسبعين ألفا [23] وقتلوا الخليفة العباسي ، وسبوا النساء الهاشميات وصبيان الهاشميين . 
 [ ص: 593 ] فهذا هو البغض لآل محمد   - صلى الله عليه وسلم - بلا ريب . [ وكان ذلك من فعل الكفار بمعاونة الرافضة  ، وهم الذين سعوا في سبي الهاشميات ونحوهم إلى يزيد  وأمثاله ، فما يعيبون على غيرهم بعيب إلا وهو فيهم أعظم ] 
[24]  . 
وقد ثبت في الصحيح والمسانيد والسنن من غير وجه أن المسلمين سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف يصلون عليه . قال : " قولوا : اللهم صل على محمد  وعلى آل محمد  ، كما صليت على [ إبراهيم  وعلى ] آل إبراهيم  
[25] إنك حميد مجيد . وبارك على محمد  وعلى آل محمد  ، كما باركت على إبراهيم  وعلى آل إبراهيم  إنك حميد 
[26] مجيد 
[27] ، وفي لفظ : " وعلى أزواجه وذريته  " 
[28]  . 
 [ ص: 594 ] وقد ثبت في الصحيح أنه قال : " إن الصدقة لا تحل لمحمد  ولا لآل محمد   " . وثبت في الصحيح أن  الفضل بن العباس  و [ عبد المطلب ] 
[29] بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب  طلبا منه - عليه الصلاة والسلام - أن يوليهما على الصدقة ، فقال : " إن الصدقة لا تحل لمحمد  ولا لآل محمد  ، وإنما هي أوساخ الناس  " [30] فبين 
[31] أن ولد  العباس  وولد الحارث بن عبد المطلب  من آل محمد  تحرم عليهم الصدقة . 
وثبت في الصحاح أنه أعطى من سهم ذوي القربى لبني المطلب بن عبد مناف   ، وقال : " إنما بنو هاشم  وبنو المطلب  شيء واحد ، إنهم لم يفارقونا 
[32] في جاهلية ولا إسلام  " 
[33]  . 
وهؤلاء أبعد من بني  العباس   وبني الحارث بن عبد المطلب    ; فهؤلاء كلهم من ذوي القربى . ولهذا اتفق العلماء على أن بني  العباس   وبني الحارث بن عبد المطلب   من آل محمد  الذين تحرم عليهم الصدقة  ،  [ ص: 595 ] ويدخلون في الصلاة ، ويستحقون [ من ] 
[34] الخمس وتنازعوا 
[35] في بني المطلب بن عبد مناف   : هل تحرم عليهم الصدقة ، ويدخلون في آل محمد    - صلى الله عليه وسلم - ؟ على قولين هما روايتان عن  أحمد   : إحداهما : أنه تحرم عليهم الصدقة ، كقول  الشافعي   . والثانية : لا تحرم ، كقول  أبي حنيفة   . وآل محمد  عند  الشافعي   وأحمد  في المنصوص عنه - وهو اختيار الشريف أبي جعفر بن أبي موسى  وغيره من أصحابه - هم الذين تحرم عليهم الصدقة ، وهم بنو هاشم   . وفي بني المطلب  روايتان . 
وكذلك أزواجه : هل هن من آله الذين تحرم عليهم الصدقة ؟  عن  أحمد  فيه روايتان . وأما عتقى أزواجه : كبريرة  ، فتحل لهن الصدقة وبالإجماع ، وإن حرمت على موالي بني هاشم   . وعند طائفة أخرى من أصحاب  مالك   وأحمد  وغيرهما : هم أمته . وعند طائفة من الصوفية   : هم الأتقياء من أمته . 
ولم يأمر الله بالصلاة على معين غير النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة ، ولو صلى على بعض أهل بيته دون بعض ، كالصلاة على ولد  العباس  دون  علي  أو بالعكس - لكان مخالفا للشريعة ، فكيف إذا صلى على قوم معينين دون غيرهم ؟ . 
ثم إبطال الصلاة بترك الصلاة على هؤلاء من العجائب . والفقهاء متنازعون في وجوب الصلاة على النبي   - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة ، وجمهورهم لا يوجبها ، ومن أوجبها يوجب الصلاة عليه دون آله ، ولو  [ ص: 596 ] أوجب 
[36] الصلاة على آله عموما لم يجز أن يجعل الواجب الصلاة على قوم معينين دون غيرهم ، بل قد تنازع العلماء فيما إذا دعا لقوم معينين في الصلاة هل تبطل [ صلاته ] 
[37] ؟ على قولين . وإن كان الصحيح أنها لا تبطل ، ولا [ أن يجعل ] 
[38] مناط الوجوب كونهم أئمة ، ولهذا لم يوجب أهل السنة الصلاة على غير النبي - صلى الله عليه وسلم   - : لا أئمتهم ولا غير [ أئمتهم ] 
[39] لأن إيجاب هذا من البدع المضلة المخالفة لشريعة الله تعالى ، كما أن الشهادتين ليس فيهما 
[40] إلا ذكر الله ورسوله ، لا في الأذان ولا في الصلاة ولا في غير ذلك 
[41] ، فلو 
[42] ذكر في الشهادتين غير الله ورسوله من الأئمة كان ذلك من أعظم الضلالات 
[43] ، وكذلك إبطاله 
[44] الصلاة بالصلاة على أئمة المسلمين قول باطل ; فإنه لو دعا لمعين أو عليه في الصلاة بدعاء جائز لم تبطل الصلاة بذلك 
[45] عند جماهير العلماء ، فإنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في صلاته : " اللهم أنج 
[46] الوليد بن الوليد  ،  [ ص: 597 ] وسلمة بن هشام  ، والمستضعفين من المؤمنين 
[47] ، اللهم اشدد وطأتك على مضر  ، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف   " 
[48]  . 
وكذلك كان يقول : " اللهم العن رعلا  وذكوان  وعصية   " 
[49]  . فقد دعا في صلاته 
[50] لقوم معينين بأسمائهم ، ودعا على قبائل معينين بأسمائهم ; فمن أبطل الصلاة بمثل ذلك كان فساد قوله كفساد قوله بإيجاب الصلاة على ناس معينين . 
وأهل السنة لا يوجبون 
[51] هذا ولا يحرمون هذا ، إنما يوجبون ما أوجب الله تعالى ورسوله ، ويحرمون ما حرم الله ورسوله . 
وأما إن أراد أنه تجب الصلاة على آل محمد  دون غيرهم   . 
فيقال : أولا : هذا فيه نزاع بين العلماء ; فمذهب الأكثرين أنه لا يجب في الصلاة [ أن يصلى ] 
[52] على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا آله . وهذا مذهب  أبي حنيفة   ومالك   وأحمد  في إحدى الروايتين عنه ، وادعى بعض الناس [ - وهو  الطحاوي   - ] 
[53] وغيره أن هذا إجماع قديم . والقول الثاني  [ ص: 598 ] أنه تجب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - [ في الصلاة ] 
[54] ، كقول  الشافعي   وأحمد  في الرواية الثانية عنه . ثم على هذه الرواية : هل هي ركن أو واجب تسقط بالسهو فيه ؟ 
[55] عن  أحمد  روايتان . 
وهؤلاء الذين أوجبوا الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم من أوجبها باللفظ المأثور ، وهو أحد الوجهين في مذهب  أحمد   . فعلى هذا تجب الصلاة على آل محمد   . ومنهم من لم يوجب اللفظ ، بل منهم من لا يوجب إلا الصلاة عليه دون آله ، كما هو معروف في مذهب  الشافعي   وأحمد   ; فعلى هذا لا تجب الصلاة على آله . 
وإذا عرف أن في هذه المسألة نزاعا مشهورا ، فيقال : على تقدير وجوب الصلاة على آل محمد  
[56] فهذه 
[57] الصلاة لجميع آل محمد  لا تختص 
[58] بصالحيهم 
[59] ، فضلا عن أن تختص 
[60] بمن هو معصوم ، بل تتناول كل من دخل في آل محمد  ، كما أن الدعاء للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات يتناول كل من دخل في الإيمان والإسلام ، ولا يلزم من الدعاء للمؤمنين عموما ولا لأهل البيت عموما أن يكون كل منهم برا تقيا ، بل الدعاء لهم طلبا لإحسان الله تعالى إليهم وتفضله عليهم ، وفضل الله  [ ص: 599 ] سبحانه وإحسانه يطلب لكل أحد 
[61] ، لكن يقال : إن هذا حق لآل محمد  أمر الله به . 
				
						
						
