قوله : " وأباحوا المغصوب لو غير الغاصب الصفة  فقالوا : لو أن سارقا دخل مدارا لشخص [1] له [2] فيه دواب ورحى وطعام ، فطحن السارق طعام صاحب المدار بدوابه وأرحيته ، ملك [3] الطحين بذلك ، فلو جاء المالك ونازعه ، كان المالك ظالما والسارق مظلوما ، فلو تقاتلا فإن قتل المالك كان هدرا [4] وإن قتل السارق كان شهيدا " . 
فيقال : أولا : هذه المسألة [5] ليست قول جمهور علماء السنة [6]  .  [ ص: 431 ] وإنما قالها من ينازعه فيها جمهورهم ، ويردون قوله بالأدلة الشرعية ، فهي قول بعض العلماء [7] ، ولكن الفقهاء متنازعون [8] في الغاصب إذا غير المغصوب بما أزال اسمه ، كطحن الحب الحب   : [9] ، فقيل : هذا بمنزلة إتلافه فيجب للمالك [10] القيمة ، وهذا قول  أبي حنيفة   . 
وقيل : بل هو باق على ملك صاحبه ، والزيادة له [11] والنقص على الغاصب ، وهو قول [12] الشافعي . 
وقيل : بل يخير المالك بين أخذ العين والمطالبة بالنقص إن نقص [13] ، وبين المطالبة بالبدل وترك العين للغاصب ، [ وهذا هو المشهور من مذهب  مالك   ] [14] ، وإذا أخذ العين فقيل : يكون [15] الغاصب شريكا بما أحدثه فيه من الصنعة . وقيل : لا شيء له . وهذه الأقوال في مذهب  أحمد  وغيره . وحينئذ فالقول الذي أنكره خلاف قول جمهور أهل السنة . 
ثم إنه كذب في نقله بقوله [16]  : " لو تقاتلا كان المالك ظالما " ، فإن  [ ص: 432 ] المالك إن كان متأولا لا يعتقد غير هذا القول ، لم يكن ظالما ، ولم تجز مقاتلته ، بل إذا تنازعا ترافعا [17] إلى من يفصل بينهما ، إذا كان اعتقاد هذا أن هذه العين ملكه ، واعتقاد الآخر أنها ملكه . 
وأيضا فقد يفرق بين من غصب الحب ثم اتفق أنه طحنه ، وبين من قصد بطحنه تملكه [18] ، فإن معاقبة هذا بنقيض [19] قصده من باب سد الذرائع . 
وبالجملة فهذه المسائل التي أنكرها كلها من مذهب  أبي حنيفة  ، ليس فيها لغيره إلا مسألة المخلوقة من ماء [20] الزنا  للشافعي   . 
فيقال له : الشيعة  تقول : إن مذهب  أبي حنيفة  أصح من بقية المذاهب الثلاثة ، ويقولون : إنه إذا اضطر الإنسان إلى استفتاء بعض المذاهب الأربعة استفتى الحنفية ، ويرجحون  محمد بن الحسن  على  أبي يوسف  ، فإنهم لنفورهم عن الحديث والسنة ينفرون عمن كان أكثر تمسكا بالحديث والسنة . 
فإذا كان كذلك ، فهذه الشناعات في مذهب  أبي حنيفة  ، فإن كان قوله هو الراجح من مذاهب الأئمة الأربعة كان تكثير التشنيع عليه دون غيره تناقضا منهم ، وكانوا قد رجحوا مذهبا وفضلوه على غيره ، ثم بينوا فيه 
[21]  [ ص: 433 ] من الضعف والنقص ما يقتضي أن يكون أنقص من غيره . وما هذا التناقض بعيد منهم [22] ، فإنهم لفرط جهلهم وظلمهم يمدحون ويذمون بلا علم ولا عدل ، فإن كان مذهب  أبي حنيفة  هو الراجح ، كان ما ذكروه من اختصاصه بالمسائل الضعيفة التي لا يوجد مثلها [23] لغيره تناقضا ، وإن لم يكن الراجح كان ترجيحه على بقية المذاهب باطلا ، فيلزم [24] بالضرورة أن يكون [25] الشيعة  على الباطل على كل تقدير . ولا ريب أنهم أصحاب جهل وهوى ، فيتكلمون في كل موضع بما يناسب أغراضهم ، سواء كان حقا أو باطلا . 
وقصدهم في هذا المقام ذم جميع طوائف أهل السنة ، فينكرون من كل مذهب [26] ما يظنونه مذموما فيه ، سواء صدقوا في النقل أو كذبوا ، وسواء كان ما ذكروه من الذم حقا أو باطلا ، وإن كان في مذهبهم من المعايب أعظم وأكثر من معايب غيرهم . 
				
						
						
