الوجه التاسع [1]  : قوله : " الصحابة نصوا على ترك [2] القياس " . يقال له : [3] الجمهور الذين يثبتون القياس قالوا : قد ثبت عن الصحابة أنهم قالوا بالرأي واجتهاد الرأي وقاسوا ، كما ثبت عنهم ذم ما  [ ص: 413 ] ذموه من القياس . قالوا : وكلا القولين صحيح ، فالمذموم القياس المعارض للنص  ، كقياس الذين قالوا : إنما البيع مثل الربا ، وقياس إبليس الذي عارض به أمر الله له [4] بالسجود لآدم  [5] ، وقياس المشركين الذين قالوا : أتأكلون [6] ما قتلتم ولا تأكلون ما قتله [7] الله ؟ قال الله تعالى : ( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون   ) [ سورة الأنعام 121 ] . 
وكذلك القياس الذي لا يكون الفرع فيه [8] مشاركا للأصل في مناط الحكم ، فالقياس يذم إما لفوات شرطه ؛ وهو عدم المساواة في مناط الحكم ، وإما لوجود مانعه ؛ وهو النص الذي يجب تقديمه عليه ، وإن كانا متلازمين في نفس الأمر ، فلا يفوت الشرط إلا والمانع موجود ، ولا يوجد المانع [9] إلا والشرط مفقود . 
فأما القياس الذي يستوي [10] فيه الأصل والفرع في مناط الحكم ولم يعارضه ما هو أرجح منه ، فهذا هو القياس الذي يتبع . [11] 
ولا ريب أن القياس فيه فاسد ، وكثير من الفقهاء قاسوا أقيسة فاسدة ،  [ ص: 414 ] بعضها باطل بالنص ، وبعضها مما اتفق السلف على بطلانه [12] ، لكن بطلان كثير من القياس لا يقتضي بطلان جميعه ، كما أن وجود الكذب في كثير من الحديث لا يوجب كذب جميعه . 
ومدار القياس على أن الصورتين يستويان في موجب الحكم ومقتضاه  [13] ، فمتى كان كذلك كان القياس صحيحا بلا شك ، ولكن قد يظن القايس ما ليس مناط الحكم مناطا فيغلط ، ولهذا كان عمدة القياس عند القايسين على بيان تأثير المشترك الذي يسمونه جواب سؤال المطالبة ، وهو أن يقال : لا نسلم أن علة الحكم في الأصل هو الوصف المشترك بين الأصل والفرع ، حتى يلحق هذا الفرع به ، فإن القياس لا تثبت صحته حتى تكون الصورتان مشتركتين [14] في المشترك المستلزم [15] للحكم إما في العلة نفسها ، وإما في دليل العلة : تارة بإبداء الجامع ، وتارة بإلغاء الفارق ، فإذا عرف أنه ليس بين الصورتين فرق يؤثر ، علم استواؤهما [16] في الحكم ، وإن لم يعلم عين الجامع . 
وهم يثبتون قياس الطرد ، وهو إثبات مثل حكم الأصل في الفرع لاشتراكهما في مناط الحكم . 
( * وقياس العكس وهو نفي حكم الأصل عن الفرع ، لافتراقهما في مناط الحكم * ) [17] فهذا [18] يفرق بينهما ; لأن العلة المثبتة للحكم في الأصل  [ ص: 415 ] منتفية في الفرع ، وذاك يجمع بينهما لوجود العلة المثبتة في الفرع ، وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع [19]  . 
				
						
						
