الوجه الثالث : 
أن يقال : إن كانت الإمامة أهم مطالب الدين ، وأشرف مسائل المسلمين ، فأبعد الناس عن هذا الأهم الأشرف هم الرافضة  ، فإنهم [ قد ] [1] قالوا في الإمامة أسخف قول ، وأفسده في العقل والدين ، كما سنبينه إن شاء الله تعالى [ إذا تكلمنا عن حججهم ] [2] ، ويكفيك أن مطلوبهم بالإمامة  أن يكون لهم رئيس معصوم يكون لطفا في مصالح دينهم ، ودنياهم ، وليس في الطوائف أبعد عن [3] مصلحة اللطف ، والإمامة منهم ، فإنهم يحتالون على مجهول ، ومعدوم لا يرى له عين ، ولا أثر ، ولا يسمع له حس ، ولا خبر ، فلم يحصل لهم من الأمر المقصود بإمامته شيء . 
وأي من فرض إماما نافعا في بعض مصالح الدين والدنيا كان خيرا ممن  [ ص: 101 ] لا ينتفع به في شيء من مصالح الإمامة ، ولهذا تجدهم لما فاتهم مصلحة الإمامة يدخلون في طاعة كافر ، أو ظالم لينالوا به بعض مقاصدهم ، فبينما هم يدعون الناس إلى طاعة إمام معصوم أصبحوا يرجعون إلى طاعة ظلوم كفور ، فهل يكون أبعد عن مقصود الإمامة ، وعن الخير والكرامة ممن سلك منهاج الندامة ؟ . 
وفي الجملة ، فالله تعالى قد علق بولاة الأمور مصالح في الدين والدنيا ، سواء كانت الإمامة أهم الأمور ، أو لم تكن ، والرافضة  أبعد الناس عن حصول هذه المصلحة لهم ،  فقد فاتهم على قولهم الخير المطلوب من أهم مطالب الدين ، وأشرف مسائل المسلمين . 
ولقد طلب [ مني ] [4] أكابر شيوخهم الفضلاء أن يخلو بي ، وأتكلم معه في ذلك ، فخلوت به ، وقررت له ما يقولونه في هذا الباب كقولهم إن الله أمر العباد ، ونهاهم ( 2 لينالوا به بعض مقاصدهم 2 ) [5] ، فيجب أن يفعل بهم اللطف الذي يكونون عنده أقرب إلى فعل الواجب ، وترك القبيح ؛ لأن من دعا شخصا ليأكل طعامه ، فإذا كان مراده الأكل فعل ما يعين على ذلك من الأسباب كتلقيه بالبشر ، وإجلاسه في مجلس يناسبه ، وأمثال ذلك ، وإن لم يكن مراده [6] أن يأكل عبس في . وجهه ، وأغلق الباب ، ونحو ذلك . 
وهذا أخذوه من المعتزلة  ليس هو من أصول شيوخهم القدماء . 
ثم قالوا : والإمام لطف ؛ لأن الناس إذا كان لهم إمام يأمرهم بالواجب ،  [ ص: 102 ] وينهاهم عن القبيح كانوا أقرب إلى فعل المأمور ، وترك المحظور ، فيجب أن يكون لهم إمام ، ولا بد أن يكون معصوما ؛ لأنه إذا لم يكن معصوما لم يحصل به المقصود ، ولم تدع العصمة لأحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا  لعلي  ، فتعين أن يكون هو إياه للإجماع على انتفاء ما سواه ، وبسطت له العبارة في هذه المعاني . 
ثم قالوا :  وعلي  نص على  الحسن  ،  والحسن  على  الحسين  [7] إلى أن انتهت النوبة إلى المنتظر محمد بن الحسن  صاحب السرداب الغائب . 
فاعترف بأن هذا تقرير مذهبهم على غاية الكمال . 
قلت له : فأنا وأنت طالبان للعلم ، والحق ، والهدى ، وهم يقولون : من لم يؤمن بالمنتظر فهو كافر  ، فهذا المنتظر هل رأيته ؟ . أو رأيت من رآه ؟ أو سمعت له بخبر ؟ [8] أو تعرف شيئا من كلامه الذي قاله هو ؟ أو ما أمر به ، أو ما نهى عنه مأخوذا عنه ، كما يؤخذ عن [9] الأئمة ؟ . 
قال : لا . 
قلت : فأي فائدة في إيماننا هذا ؟ وأي لطف يحصل لنا بهذا ، ثم كيف يجوز أن يكلفنا الله بطاعة شخص ، ونحن لا نعلم ما يأمر به ، ولا ما ينهانا عنه ، ولا طريق لنا إلى معرفة ذلك بوجه من الوجوه ؟ وهم من أشد الناس  [ ص: 103 ] إنكارا لتكليف ما لا يطاق ، فهل يكون في تكليف ما لا يطاق أبلغ من هذا ؟ ! . 
فقال : إثبات هذا مبني على تلك المقدمات . 
قلت : لكن المقصود لنا من تلك المقدمات هو ما يتعلق بنا نحن ، وإلا فما علينا ما مضى إذا لم يتعلق بنا منه أمر ولا نهي ، وإذا كان كلامنا في تلك المقدمات لا يحصل لنا فائدة ولا لطفا ، ولا يفيدنا إلا تكليف [10] ما لا يقدر عليه علم أن الإيمان بهذا المنتظر من باب الجهل ، والضلال لا من باب المصلحة واللطف  [11]  . 
والذي عنه الإمامية  من النقل عن الأئمة الموتى : إن كان حقا يحصل به سعادتهم ، فلا حاجة [12] بهم إلى المنتظر ، وإن كان [13] باطلا ، فهم أيضا لم ينتفعوا بالمنتظر في رد هذا الباطل ، فلم ينتفعوا بالمنتظر [ لا . ] [14] في إثبات حق ، ولا في نفي باطل ، ولا أمر بمعروف ، ولا نهي عن منكر ، ولم يحصل لواحد منهم به شيء من المصلحة ، واللطف المطلوب [15] من الإمامة . 
والجهال الذين يعلقون أمورهم بالمجهولات كرجال الغيب ، والقطب ،  [ ص: 104 ]  [ والغوث ] [16] ، والخضر  ، ونحو [ ذلك مع جهلهم ، وضلالهم ] ، وكونهم [17] يثبتون ما لم يحصل لهم به مصلحة ، ولا لطف ، ولا منفعة لا في الدين ، ولا في الدنيا أقل ضلالا من الرافضة   . 
فإن الخضر  كان موجودا ، وقد ذكره الله في القرآن ، وفي قصته عبرة ، وفوائد ، وقد يرى أحدهم شخصا صالحا يظنه الخضر  ، فينتفع به ، وبرؤيته ، وموعظته [18] ، وإن كان غالطا في اعتقاده أنه الخضر  ،  [ فقد يرى أحدهم بعض الجن ، فيظن أنه الخضر  ، ولا يخاطبه الجني إلا بما يرى أنه يقبله منه ليربطه على ذلك  ، فيكون الرجل أتى من نفسه لا من ذلك المخاطب له ، ومنهم من يقول : لكل زمان خضر  ، ومنهم من يقول : لكل ولي خضر  ، وللكفار كاليهود  مواضع يقولون : إنهم يرون الخضر  فيها ، وقد يرى الخضر  على صور مختلفة ، وعلى صورة هائلة ، وأمثال ذلك ، وذلك . لأن هذا الذي يقول إنه الخضر  هو جني ، بل هو شيطان يظهر لمن يرى أنه يضله ، وفي ذلك حكايات كثيرة يضيق هذا الموضع عن ذكرها ] [19]  . 
وعلى كل تقدير ، فأصناف الشيعة  أكثر ضلالا من هؤلاء ، فإن منتظرهم [20] ليس عنده نقل ثابت عنه ، ولا يعتقدون فيمن يرونه أنه المنتظر ، ولما دخل السرداب كان عندهم صغيرا لم يبلغ سن التمييز ،  [ ص: 105 ] وهم يقبلون من الأكاذيب [21] أضعاف ما يقبله هؤلاء ، ( 2 ويعرضون عن الاقتداء بالكتاب والسنة أكثر من إعراض هؤلاء 2 ) [22] ، ويقدحون في خيار المسلمين قدحا يعاديهم عليه هؤلاء ، فهم أضل عن مصالح الإمامة من جميع طوائف الأمة ، فقد فاتهم على قولهم أهم الدين وأشرفه . 
				
						
						
