( كذا وقوف الخلق للحساب والصحف والميزان للثواب )
. [ ص: 168 ] ( كذا ) أي : كما يجب الجزم بالبعث والنشور والحشر بعد النفخ في الصور يجب أن نجزم جزما باتا بأمر ( وقوف الخلق ) من الإنس والجن والدواب والطير وغيرهم ، قال تعالى ( وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ) وقال ( ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ) وقال ( يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا ) أي زمرا زمرا .قال أبو هريرة - رضي الله عنه - إن الله تعالى يحشر الخلق كلهم من دابة وطائر وإنسان .
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى ( وإذا الوحوش حشرت ) يحشر كل شيء حتى الذباب ليحشر .
والحاصل أن الله تعالى يجمع في ذلك اليوم الأولين والآخرين حتى لا يدري الشخص أين يضع قدمه لشدة الزحام .
وفي تفسير مكي : يحشر الخلق من دابة وطائر وإنسان ، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - فهم في ضيق مقامهم فيها كضيق سهام اجتمعت في كنانتها ، فالسعيد يومئذ من يجد لقدمه مقاما .
قال : وأكثر الأقدام يومئذ بعضها على بعض ، وقد ذكر أبو نعيم الحافظ بإسناده عن وهب بن منبه قال :
إذا قامت الساعة صرخت الحجارة صراخ النساء ، وقطرت العضاة دما . واعلم أن ليوم الوقوف أهوالا عظيمة ، وشدائد جسيمة تذيب الأكباد وتذهل المراضع ، وتشيب الأولاد ، وهو حق ثابت ورد به الكتاب والسنة ، وانعقد عليه الإجماع ، وهو يوم القيامة .
وقد اختلف في تسمية ذلك اليوم بيوم القيامة ، قيل لكون الناس يقومون من قبورهم ، قال تعالى ( يوم يخرجون من الأجداث سراعا ) . وقيل : لوجود أمور المحشر والوقوف ونحوهما فيه .
وقيل : لقيام الناس لرب العالمين كما روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعا ( يوم يقوم الناس لرب العالمين ) قال يقوم الناس أحدهم في رشحه إلى نصف أذنيه . قال ابن عمر - رضي الله عنهما - يقومون مائة سنة .
ويروى عن كعب : يقومون ثلاثمائة سنة . وروى أبو يعلى بإسناد صحيح ، وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ( يوم يقوم الناس لرب العالمين ) مقدار نصف يوم من خمسين ألفا فيهون ذلك على المؤمن كتدلي الشمس للغروب [ ص: 169 ] إلى أن تغرب " . وروى الإمام أحمد ، وأبو يعلى ، وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ( يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) فقيل ما أطول هذا اليوم ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون عليه أخف من صلاة مكتوبة " .
وروى ابن أبي الدنيا ، والطبراني من طرق أحدها صحيح ، والحاكم وقال : صحيح الإسناد ، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما أربعين سنة شاخصة أبصارهم ينتظرون فصل القضاء " . الحديث .
وعن أبي هريرة : يقومون سبعين سنة ، وقيل : مقداره ألف سنة ، رواه الطبراني من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعا ، ولفظه : " أما مقام الناس بين يدي رب العالمين فألف سنة لا يؤذن لهم " .
وأخرج البيهقي عنه : يمكثون ألف عام في الظلمة يوم القيامة لا يتكلمون .
وقيل : إنما سمي يوم القيامة لقيام الملائكة والروح فيه صفا قال تعالى ( يوم يقوم الروح والملائكة صفا ) قال القرطبي :
القيامة قيامتان ، صغرى وكبرى ، الصغرى ما تقوم على كل إنسان في خاصته من خروج روحه وانقطاع سعيه وحصوله على عمله ، والكبرى هي التي تعم الناس وتأخذهم أخذة واحدة ، والدليل على أن كل من مات قامت قيامته قول النبي - صلى الله عليه وسلم - - لقوم من الأعراب سألوه عن الساعة ، فنظر إلى أحدث إنسان منهم فقال " إن يعش هذا حتى يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم " رواه مسلم وغيره ، وقال الشاعر :
خرجت من الدنيا وقامت قيامتي غداة أقل الحاملون جنازتي
وعجل أهلي حفر قبري وصيروا خروجي وتعجيلي إليه كرامتي


