قوله عز وجل : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية : نزلت في قصة العرنيين ، وهي ما .
أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد الله الشيباني ، أخبرنا إسماعيل بن نجيد ، أخبرنا أبو مسلم الكجي ، حدثنا عبد الرحمن بن حماد ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس ، أن رهطا من عكل وعرينة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله أنا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف ، فاستوخمنا المدينة ، فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود أن يخرجوا فيها فيشربوا من ألبانها وأبوالها ، فقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستاقوا الزود ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم ، فأتي بهم ، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ، وتركهم في الحرة حتى ماتوا على حالهم قال قتادة : ذكر لنا أن الآية نزلت فيهم إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية .
رواه مسلم ، عن ابن المثنى ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد ، إلى قوله قتادة [ ص: 181 ] ومعنى يحاربون الله ورسوله يعصونهما ولا يطيعونهما ، وكل من عصاك فهو حرب لك .
ويسعون في الأرض فسادا أي : بالقتل والسرقة وأخذ الأموال ، فكل من أخذ السلاح على المسلمين فهو محارب لله ورسوله ، وإن كان في بلد كالمكابر في البلاد ، وهذا قول مالك ، والأوزاعي ، ومذهب الشافعي .
وقوله تعالى : (أن يقتلوا ) إلى قوله : أو ينفوا من الأرض قال الوالبي ، عن ابن عباس : أو دخلت للتخيير ومعناها : الإباحة ، إن شاء الإمام قتل ، وإن شاء صلب ، وإن شاء نفى .
وهذا قول الحسن ، وسعيد بن المسيب ، ومجاهد .
وقال ابن عباس في رواية عطية : أو ليست للإباحة ، إنما هي مرتبة للحكم باختلاف الجناية ، فمن قتل وأخذ المال صلب وقتل ، ومن أخذ المال ولم يقتل قطع ، ومن سفك الدماء وكف عن الأموال قتل ، ومن أخاف السبيل ولم يقتل نفي ، وهذا قول قتادة ، والسدي ، ومذهب الشافعي .
قال الشافعي : ويحد كل واحد بقدر فعله ، فمن وجب عليه القتل والصلب قتل قبل صلبه كراهية تعذيبه ، ويصلب ثلاثا ثم ينزل ، ومن وجب عليه القتل دون الصلب قتل ، ودفع إلى أهله يدفنونه ، ومن وجب عليه القطع دون القتل قطعت يده اليمنى ثم حسمت ، ثم رجله اليسرى ، ثم حسمت ، وذلك معنى قوله : من خلاف .
وقوله : أو ينفوا من الأرض قال ابن عباس : هو أن يهدر الإمام دمه ، فيقول : من لقيه فليقتله ، هذا فيمن لم يقدر عليه .
فأما المقبوض عليه فنفيه من الأرض بالحبس والسجن ؛ لأنه إذا سجن وضع من التقلب في البلاد فقد نفي منها .
أنشد ابن قتيبة ، وابن الأنباري قول بعض المسجونين :
خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها فلسنا من الأحياء فيها ولا موتى  [ ص: 182 ]     إذا جاءنا السجان يوما لحاجة 
عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا 
ثم جرى حكم هذه الآية على المحاربين من المسلمين ، فبقي العذاب العظيم في الآخرة للكافرين .
والمسلم إذا عوقب بجنايته في الدنيا كانت عقوبته كفارة له .
قوله تعالى : إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم أكثر أهل التفسير : على أن المراد بهذا الاستثناء المشرك المحارب إذا آمن وأصلح قبل القدرة عليه سقط عنه جميع الحدود التي ذكرها الله تعالى ، ولا يطالب بشيء مما أصاب ، لا مال ولا دم ، وكذلك لو آمن من بعد القدرة عليه لم يطالب بشيء .
قال الزجاج : جعل الله التوبة للكفار تدرأ عنهم الحدود التي وجبت عليهم في كفرهم ليكون ذلك أدعى إلى الدخول في الإسلام .
فأما المسلم المحارب إذا تاب واستأمن من قبل القدرة عليه ، فقال السدي : هو كالكافر إذا آمن لا يطالب بشيء إلا إذا أصيب عنده مال بعينه فإنه يرد إلى أهله .
وبهذا حكم علي بن أبي طالب رضي الله عنه في حارثة بن بدر ، وكان قد خرج محاربا وذلك ما [ ص: 183 ] .
أخبرنا أبو بكر الحارثي ، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ ، حدثنا أبو يحيى الرازي ، حدثنا سهل بن عثمان ، حدثنا يحيى ، حدثنا خالد ، عن عامر ، قال : كان حارثة بن بدر التميمي أفسد في الأرض وحارب ، فأتى سعيد بن قيس فانطلق سعيد إلى علي رضي الله عنه ، فقال : يا أمير المؤمنين ما جزاء من حارب وسعى في الأرض فسادا ؟ قال : أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ، قال : فإن تاب قبل أن يقدر عليه ، قال : تقبل توبته ، قال : فإنه حارث بن بدر فأتاه به فأمنه ، وكتب له كتابا وقال الشافعي : يسقط عنه بتوبته قبل القدرة عليه حد الله ، ولا تسقط حقوق بني آدم ما كان قصاصا أو مظلمة في مال .
قوله عز وجل : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله أي : اتقوا عقابه بطاعته ، وابتغوا : اطلبوا إليه الوسيلة : ومعنى الوسيلة : الوصلة والقربة من وسل إليه ، إذا تقرب إليه .
قال ابن عباس : وابتغوا إليه الوسيلة القربة .
وقال قتادة : تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه .
وقال الكلبي : اطلبوا إليه القربة بالأعمال الصالحة .
وجاهدوا في سبيله في طاعته لعلكم تفلحون كي تسعدوا وتبقوا في الجنة .
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					