وقوله : وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى   "الإقساط " : العدل ، يقال : أقسط الرجل إذا عدل ، ومنه قوله : وأقسطوا إن الله يحب المقسطين   . 
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشيرازي ،  أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد الله بن خميرويه ،  أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الخزاعي ،  حدثنا أبو اليمان بن نافع ،  أخبرني شعيب ،  عن  الزهري  قال : كان  عروة بن الزبير  يحدث ، أنه سأل  عائشة  رضي الله عنها عن قول الله عز وجل وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى  قالت  عائشة :  هي اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في مالها وجمالها ويريد أن يتزوجها بأدنى من سنة نسائها ،  فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق ، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء ، رواه  البخاري ،  عن  أبي اليمان  وعلى هذا التفسير تقدير الآية : وإن خفتم ألا تقسطوا في نكاح اليتامى فحذف المضاف ، وقوله :  [ ص: 8 ] فانكحوا ما طاب لكم  أي : من غيرهن ، وقال أكثر المفسرين : يقول : فإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى وهمكم ذلك ، فكذلك خافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهن ، فلا تتزوجوا أكثر ما يمكنكم إمساكهن والقيام بحقهن لأن النساء كاليتامى في الضعف والعجز . 
وهذا قول  ابن عباس   - في رواية  الوالبي   -  وسعيد بن جبير   وقتادة  والربيع   والضحاك   والسدي .  
وقوله : ما طاب لكم  أي : حل لكم من النساء ، يعني : من اللاتي يحل نكاحهن ، دون المحرمات اللاتي ذكرن في قوله حرمت عليكم أمهاتكم  الآية . 
و"ما " هاهنا : بمعنى من كقوله : والسماء وما بناها  ، وقال مجاهد : معناه : فانكحوا النكاح الذي طاب لكم من النساء ، فما على هذا عبارة عن النكاح . 
وقوله : مثنى وثلاث ورباع  معناه : اثنتين اثنتين ، وثلاثا ثلاثا ، وأربعا أربعا ، على اختلاف الأحوال لأن الأربع إنما يحل نكاحهن إذا لم يتقدمها ثلاث ، وكذلك الثلاث إذا لم يتقدمها اثنتان . 
ولا تدل الآية على إباحة التسع ، وإن كان مجموع هذه الأعداد تسعا لأن الله تعالى خاطب العرب بأفصح اللغات ، وليس من شأن البليغ أن يعبر في العدد عن التسعة باثنين وثلاثة وأربعة فمن قال : أعط زيدا اثنين وثلاثة وأربعة وهو يريد تسعة كان ذلك أعيا كلام . 
قوله : فإن خفتم ألا تعدلوا  أي : في الأربع بالحب والجماع ، فواحدة أي : فلينكح كل واحد منكم واحدة من الحرائر ، أو ما ملكت أيمانكم  من الجواري لأنه لا يلزم فيهن من الحقوق كالذي يلزم في الحرائر من التسوية بينهن في القسمة . 
 [ ص: 9 ] وقوله : ذلك أدنى ألا تعولوا  أي : نكاح الأربع على قلة عددهن أقرب إلى العدل وأبعد من الظلم . 
ومعنى تعولوا : تميلوا وتجوروا ، عن جميع المفسرين ، و"العول " : الميل في الحكم إلى الجور . 
قال  الفراء :  عال الرجل يعول عولا ، إذا مال وجار ، وهذا قول  ابن عباس ،   والحسن ،  وإبراهيم ،   وقتادة ،  والربيع ،  وعكرمة ،   والفراء ،   والزجاج ،   وابن الأنباري .  
وقوله : وآتوا النساء صدقاتهن نحلة   "الصدقات " : المهور ، واحدتها صدقة ، "النحلة " معناها في اللغة : الديانة والملة والشريعة ، يقال : فلان ينتحل كذا . 
إذا كان يتدين به ، ونحلته كذا . 
أي : دينه . 
ولهذا قال  ابن عباس ،   وقتادة ،   وابن جريج ،  وابن زيد  في قوله : نحلة أي : فريضة . 
والخطاب للأزواج ، أمروا بإيتاء النساء مهورهن تدينا ؛ لأنه مما أوجبه الله لهن . 
وقال  الكلبي :  نحلة : هبة وعطية ، يقال : نحلت فلانا شيئا أنحله نحلة . 
أي : أعطيه ، والمعنى : أن الله جعل الصداق نحلة للنساء ،  فأمر الأزواج بإعطاء مهور النساء من غير مطالبة منهن ، ولا مخاصمة فيه ؛ لأن ما يأخذ بالمحاكمة لا يقال له نحلة . 
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي ،  أخبرنا أبو سهل أحمد بن الحسين القاضي ،  حدثنا محمد بن أيوب الرازي ،  أخبرنا  القعنبي ،  حدثنا  عبد الله بن لهيعة ،  عن  يزيد بن أبي حبيب ،  عن  أبي الخير ،  عن عقبة  قال : 
 [ ص: 10 ] سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :  "إن أحق الشرط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج "  ، رواه  البخاري ،  عن  عبد الله بن يوسف ،  عن الليث ،  ورواه  مسلم ،  عن  محمد بن المثنى ،  عن  يحيى القطان ،  عن  عبد الحميد بن جعفر ،  كلاهما عن  يزيد بن أبي حبيب   . 
أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل ،  حدثنا  محمد بن يعقوب ،  حدثنا  محمد بن إسحاق الصغاني ،  حدثنا سعيد بن سليمان ،  حدثنا يوسف بن محمد بن يزيد بن صيفي بن صهيب ،  حدثني أبي ،  عن عمه عبد الحميد ،  عن جده  صهيب  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  "من أصدق امرأة صداقا وهو مجمع على أن لا يوفيها إياه ، ثم مات ولم يعطها إياه ، لقي الله زانيا "  وقوله : فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا  قال  الفراء ،   والزجاج :  فإن طابت أنفسهن لكم عن شيء من  [ ص: 11 ] الصداق ، فكلوه هنيئا مريئا  معنى "الهنيء " : الطيب المساغ الذي لا ينقصه شيء ، و"المريء " : المحمود العاقبة ، التام الهضم ، الذي لا يضر ولا يؤذي . 
قال المفسرون : يقول : لا تخافون به في الدنيا مطالبة ولا في الآخرة تبعة . 
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد التميمي ،  أخبرنا أبو الشيخ الحافظ ،  حدثنا أبو يحيى الرازي ،  حدثنا سهل بن عثمان العسكري ،  حدثنا  أبو مالك ،  عن جويبر ،  عن  الضحاك ،  عن  ابن عباس :  عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه سئل عن هذه الآية : فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا  قال : "إذا جادت المرأة لزوجها بالعطية غير مكرهة لا يقضي به عليه سلطان ، ولا يؤاخذ الله به في الآخرة "  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					