[ ص: 824 ] ذكر أحكام مواريثهم بعضهم من بعض ، وهل يجري  التوارث بين المسلمين   ، وبينهم ، والخلاف في ذلك ، وحجة كل قول .  
قال الله تعالى : (  والذين كفروا بعضهم أولياء بعض      ) ، وقال : (  ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون      ) ، وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "  لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم     " وأنه قال : "  لا يتوارث أهل ملتين شتى     " .  
واتفق المسلمون على أن  أهل الدين الواحد يتوارثون      : يرث اليهودي اليهودي ، والنصراني النصراني ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "  وهل ترك لنا عقيل من رباع  ؟ " وكان  عقيل  ورث  أبا طالب  دون  علي  وجعفر  ؛ لأنه كان على دينه ، مقيما  بمكة   ، فورث رباعه  بمكة   وباعها ، فقيل للنبي      [ ص: 825 ]    - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح : "  أين تنزل غدا في دارك  بمكة   ؟     " فقال : "  وهل ترك لنا  عقيل  من رباع ؟     "  
وقال  عمر  في عمة   الأشعث بن قيس  لما ماتت : يرثها أهل دينها     .  
ويتوارثون ، وإن اختلفت ديارهم ، فيرث الحربي المستأمن والذمي ، ويرثانه .  
قال  أحمد  في رواية  الأثرم  ، فيمن دخل إلينا بأمان فقتل : إنه يبعث بديته إلى ملكهم حتى يدفعها إلى ورثته .  
وفي " المسند " ، وغيره : أن   عمرو بن أمية الضمري  كان مع  أهل  بئر      [ ص: 826 ] معونة    ، فلما قتلوا أسلم هو ورجع إلى  المدينة   ، فوجد في طريقه رجلين من الحي الذين قتلوهم ، وكان معهما عهد من النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمان ، فلم يعلم به  عمرو  فقتلهما ، فوداهما النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا ريب أنه بعث بديتهما إلى أهلهما .  
وهذا اختيار الشيخين :  أبي محمد  وأبي البركات  ، واحتج من نصر هذا القول بالعمومات المقتضية لتوريث الملة الواحدة بعضهم من بعض من غير تخصيص .  
قالوا : ومفهوم قوله : "  لا يتوارث أهل ملتين     " يقتضي توارث أهل الملة ، وإن اختلفت ديارهم ، ولأن مقتضى التوريث قائم ، وهو القرابة ، فيعمل عمله ما لم يمنع منه مانع .  
وقال القاضي ، وأصحابه : لا يرث حربي ذميا ، ولا ذمي حربيا ؛ لأن الموالاة بينهما منقطعة ، وهي سبب التوارث ، فأما المستأمن فيرثه أهل الحرب ، وأهل الذمة .  
وقال  أبو حنيفة     : المستأمن لا يرثه الذمي لاختلاف دارهما ، ويرث      [ ص: 827 ] أهل الحرب بعضهم بعضا ، سواء اتفقت ديارهم أو اختلفت ، وهذا مذهب   الشافعي     .  
وقال  أبو حنيفة     : إذا اختلفت ديارهم بحيث كان لكل طائفة ملك ، ويرى بعضهم قتل بعض ، لم يتوارثوا لأنهم لا موالاة بينهم ، فجعلوا اتفاق الدار واختلافها ضابط التوارث وعدمه ، وهذا أصل لهم في اختلاف الدار انفردوا به .  
قال في " المغني " : ولا نعلم لهذا حجة من كتاب ولا سنة ، مع مخالفته لعموم السنن المقتضي للتوريث ، ولم يعتبروا الدين في اتفاقه ولا اختلافه مع ورود الخبر فيه ، وصحة العبرة به ، فإن المسلمين يرث بعضهم بعضا ، وإن اختلفت الدار بهم ، وكذلك الكفار ،  ولا يرث المسلم كافرا ، ولا كافر مسلما   ، لاختلاف الدين ، وإن اتحدت داراهما ، يعني : اختلاف الدار ملغى في الشرع ، واختلاف الدين هو المعتبر .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					