المسألة الأولى  
قوله - صلى الله عليه وسلم -  لغيلان  وقد أسلم على عشر نسوة : "  أمسك أربعا وفارق سائرهن      "  [1] وقوله  لفيروز الديلمي  ، وقد  أسلم على أختين : " أمسك أيتهما شئت ، وفارق الأخرى      "  [2] أمر بالإمساك وهو ظاهر في استصحاب النكاح ، وقد تأوله أصحاب  أبي حنيفة  بثلاث تأويلات ، الأول : أنهم قالوا يحتمل أنه أراد بالإمساك ابتداء النكاح ، ويكون معنى قوله " أمسك أربعا " أي انكح منهن أربعا ، وأراد بقوله " وفارق سائرهن " لا تنكحهن .  
 [ ص: 55 ] الثاني : أنهم قالوا يحتمل أن النكاح في الصورتين كان واقعا في ابتداء الإسلام قبل حصر عدد النساء في أربع وتحريم نكاح الأختين ، فكان ذلك واقعا على وجه الصحة ، والباطل من أنكحة الكفار ليس إلا ما كان مخالفا لما ورد به الشرع حال وقوعها .  
الثالث : أنهم قالوا : يحتمل أنه أمر الزوج باختيار أوائل النساء ، وهذه التأويلات وإن كانت منقدحة عقلا غير أن ما اقترن بلفظ الإمساك من القرائن دارئة لها .  
أما التأويل الأول فمن وجوه ، الأول : أن المتبادر إلى الفهم من لفظ ( الإمساك ) إنما هو الاستدامة دون التجديد .  
الثاني : أنه فوض الإمساك والفراق إلى خيرة الزوج ، وهما غير واقعين بخيرته عندهم ؛ لوقوع الفراق بنفس الإسلام وتوقف النكاح على رضا الزوجة .  
الثالث : أنه لم يذكر شروط النكاح مع دعو الحاجة إلى معرفة ذلك لقرب عهدهم بالإسلام .  
الرابع : أنه أمر الزوج بإمساك أربع من العشر ، وواحدة من الأختين ، وبمفارقة الباقي ، والأمر إما للوجوب أو الندب ظاهرا على ما تقدم ، وحصر التزويج في العشرة وفي الأختين ليس واجبا ولا مندوبا ، والمفارقة ليست من فعل الزوج ، حتى يكون الأمر متعلقا بها .  
الخامس : هو أن الظاهر من الزوج المأمور إنما هو امتثال أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإمساك ، ولم ينقل أحد من الرواة تجديد النكاح في الصور المذكورة .  
السادس : هو أن الزوج إنما سأل عن الإمساك بمعنى الاستدامة لا بمعنى تجديد النكاح ، وعن الفراق بمعنى انقطاع النكاح .  
والأصل في جواب الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يكون مطابقا للسؤال .  
وأما التأويل الثاني فبعيد أيضا ، لأنه لو لم يكن الحصر في ابتداء الإسلام لما خلا ابتداء الإسلام عن الزيادة على الأربع عادة ، وعن الجمع بين الأختين ولم ينقل عن أحد من الصحابة ذلك في ابتداء الإسلام ، ولو وقع لنقل .  
وقوله تعالى (  وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف      )   قال أهل التفسير : المراد به ما سلف في الجاهلية قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - .  
ولهذا قال : (  إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا      ) .  
 [ ص: 56 ] وأما التأويل الثالث فيدرؤه  قوله - صلى الله عليه وسلم - لزوج الأختين " أمسك أيتهما شئت وفارق الأخرى     "  وقوله لواحد كان قد أسلم على خمس نسوة " اختر منهن أربعا ، وفارق واحدة     "  [3] قال المأمور بذلك فعمدت إلى أقدمهن عندي ، ففارقتها .  
				
						
						
