[ ص: 103 ] القسم الرابع  
فيما اختلف في رد خبر الواحد به وفيه عشر مسائل  
المسألة الأولى  
اختلفوا في  نقل حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمعنى دون اللفظ      .  
والذي عليه اتفاق   الشافعي  ومالك  وأبي حنيفة   وأحمد بن حنبل   والحسن البصري  وأكثر الأئمة أنه يحرم ذلك على الناقل ، إذ  [1] كان غير عارف بدلالات الألفاظ واختلاف مواقعها ، وإن كان عالما بذلك ، فالأولى له النقل بنفس اللفظ إذ هو أبعد عن التغيير والتبديل وسوء التأويل .  
وإن نقله بالمعنى من غير زيادة في المعنى ، ولا نقصان منه ، فهو جائز .  
ونقل عن   ابن سيرين  [2] وجماعة من السلف وجوب نقل اللفظ على صورته ، وهو اختيار  أبي بكر الرازي  من أصحاب  أبي حنيفة     .  
ومنهم من فصل وقال : بجواز إبدال اللفظ بما يرادفه ، ولا يشتبه الحال فيه ، ولا يجوز بما عدا ذلك .  
والمختار مذهب الجمهور ، ويدل عليه النص ، والإجماع ، والأثر والمعقول .  
أما النص ، فما روى   ابن مسعود  أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال له : " يا رسول الله تحدثنا بحديث لا نقدر أن نسوقه كما سمعناه ، فقال صلى الله عليه وسلم : " إذا أصاب أحدكم المعنى فليحدث  [3] وأيضا ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مقررا لآحاد رسله إلى البلاد في إبلاغ أوامره ونواهيه بلغة المبعوث إليهم دون لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو دليل الجواز .  
 [ ص: 104 ] وأما الإجماع فما روي  عن   ابن مسعود  أنه كان إذا حدث قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هكذا أو نحوه  ، ولم ينكر عليه منكر ، فكان إجماعا .  
وأما الأثر فما روي  عن  مكحول  أنه قال : دخلنا على   واثلة بن الأسقع  فقلنا : " حدثنا حديثا ليس فيه تقديم ولا تأخير " ، فغضب وقال : " لا بأس إذا قدمت وأخرت إذا أصبت المعنى     "  [4]    .  
وأما المعقول فمن وجهين : الأول أن الإجماع منعقد على جواز  شرح الشرع للعجم بلسانهم   ، وإذا جاز الإبدال بغير العربية في تفهم المعنى ، فالعربية أولى .  
الثاني : هو أنا نعلم أن اللفظ غير مقصود لذاته ونفسه ، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر المعنى في الكرات المتعددة بألفاظ مختلفة ، بل المقصود إنما هو المعنى ، ومع حصول المعنى ، فلا أثر لاختلاف اللفظ .  
فإن قيل : ما ذكرتموه معارض بالنص والمعقول :  
أما النص : فقوله صلى الله عليه وسلم : "  نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ، وأداها كما سمعها ، فرب حامل فقه إلى غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه     " .  
وأما المعقول فمن وجهين : الأول أن العلماء بالعربية وأهل الاجتهاد ، قد يختلفون في معنى اللفظ الوارد مع اتحاده ، حتى إن كل واحد منهم قد يتنبه منه على ما لا يتنبه عليه الآخر .  
وعند ذلك فالراوي وإن كان عالما بالعربية واختلاف دلالات الألفاظ ، فقد يحمل اللفظ على معنى فهمه من الحديث مع الغفلة عن غير ذلك .  
فإذا أتى بلفظ يؤدي المعنى الذي فهمه من اللفظ النبوي دون غيره ، مع احتمال أن يكون ما أخل به هو المقصود أو بعض المقصود ، فلا يكون وافيا بالغرض من اللفظ ، وربما اختل المقصود من اللفظ بالكلية بتقدير تعدد النقلة ، بأن ينقل كل واحد ما سمعه من الراوي الذي قبله بألفاظ غير ألفاظه على حسب ما يعقله من لفظه ، مع التفاوت اليسير في المعنى ، حتى ينتهي المعنى الأخير إلى مخالفة المعنى المقصود باللفظ النبوي بالكلية ، وهو ممتنع .  
 [ ص: 105 ] الثاني : أن خبر النبي صلى الله عليه وسلم قول تعبدنا باتباعه ، فلا يجوز تبديله بغيره ، كالقرآن وكلمات الأذان والتشهد والتكبير .  
والجواب : عن النص من وجهين : الأول : القول بموجبه ، وذلك لأن من نقل معنى اللفظ من غير زيادة ولا نقصان يصح أن يقال أدى ما سمع كما سمع ، ولهذا يقال لمن ترجم لغة إلى لغة ، ولم يغير المعنى ، أدى ما سمع كما سمع ، ويدل على أن المراد من الخبر إنما هو نقل المعنى دون اللفظ ، ما ذكره من التعليل ، وهو اختلاف الناس في الفقه ، إذ هو المؤثر في اختلاف المعنى .  
وأما الألفاظ التي لا يختلف اجتهاد الناس في قيام بعضها مقام بعض ، فذلك مما يستوي فيه الفقيه والأفقه ومن ليس بفقيه ، ولا يكون مؤثرا في تغيير المعنى .  
الثاني : أن هذا الخبر بعينه يدل على جواز نقل الخبر بالمعنى دون اللفظ ، وذلك لأن الظاهر أن الخبر المروي حديث واحد ، والأصل عدم تكرره من النبي - صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك فقد روي بألفاظ مختلفة ، فإنه قد روي  نضر الله امرأ  ، ورحم الله امرأ  ،  ورب حامل فقه غير فقيه  ، وروي لا فقه له  [5]    .  
وعن المعنى الأول من المعقول أن الكلام إنما هو مفروض في نقل المعنى من غير زيادة ولا نقصان ، حتى إنه لو ظهرت فيه الزيادة والنقصان لم يكن جائزا .  
وعن الثاني بالفرق بين ما نحن فيه وما ذكروه من الأصول المقيس عليها .  
أما القرآن فلأن المقصود من ألفاظه الإعجاز ، فتغييره مما يخرجه عن الإعجاز فلا يجوز ، ولا كذلك الخبر فإن المقصود منه المعنى دون اللفظ .  
ولهذا فإنه لا يجوز التقديم والتأخير في القرآن ، وإن لم يختلف المعنى ، كما لو قال بدل اسجدي واركعي ، اركعي واسجدي ، ولا كذلك في الخبر .  
وأما كلمات الأذان والتشهد والتكبير ، فالمقصود منها إنما هو التعبد بها ، وذلك لا يحصل بمعناها ، والمقصود من الخبر هو المعنى دون اللفظ . كيف وإنه ليس قياس الخبر على ما ذكروه أولى من قياسه على الشهادة ؛ حيث تجوز الشهادة على شهادة الغير مع اتحاد المعنى ، وإن كان اللفظ مختلفا .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					