[ ص: 83 ] المسألة الثانية  
الفاسق المتأول الذي لا يعلم فسق نفسه   لا يخلو ، إما أن يكون فسقه مظنونا ، أو مقطوعا به ، فإن كان مظنونا ، كفسق الحنفي إذا شرب النبيذ ، فالأظهر قبول روايته وشهادته ، وقد قال   الشافعي  رضي الله عنه : إذا شرب الحنفي النبيذ أحده وأقبل شهادته .  
وإن كان فسقه مقطوعا به ، فإما أن يكون ممن يرى الكذب ويتدين به ، أو لا يكون كذلك ، فإن كان الأول فلا نعرف خلافا في امتناع قبول شهادته  كالخطابية   من  الرافضة   ؛ لأنهم يرون شهادة الزور لموافقيهم في المذهب .  
وإن كان الثاني كفسق  الخوارج   الذين استباحوا الدار ، وقتلوا الأطفال والنسوان فهو موضع الخلاف .  
فمذهب   الشافعي  وأتباعه وأكثر الفقهاء أن روايته وشهادته مقبولة ، وهو اختيار   الغزالي  وأبي الحسين البصري  وكثير من الأصوليين .  
وذهب  القاضي أبو بكر  والجبائي  وأبو هاشم  وجماعة من الأصوليين إلى امتناع قبول شهادته وروايته ، وهو المختار .  
وقد احتج النافون بحجة ضعيفة ، وذلك أنهم قالوا ، أجمعنا على أن الفاسق المفروض ، لو كان عالما بفسقه لم يقبل خبره ، فإذا كان جاهلا بفسقه معتقدا أنه ليس بفاسق ، فقد انضم إلى فسقه فسق آخر وخطيئة أخرى ، وهو اعتقاده في الفسق أنه ليس بفسق ، فكان أولى أن لا يقبل خبره .  
ولقائل أن يقول : إذا لم يعتقد أنه فاسق ، وكان متحرجا محترزا في دينه عن الكذب وارتكاب المعصية ، فكان  [1] إخباره مغلبا على الظن صدقه ، بخلاف ما إذا علم أن ما يأتي به فسقا ، فذلك يدل على قلة مبالاته بالمعصية ، وعدم تحرزه عن الكذب فافترقا .  
والمعتمد في ذلك النص والمعقول :  
أما النص فقوله تعالى : (  إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا      ) أمر برد نبأ الفاسق .  
 [ ص: 84 ] والخلاف إنما هو فيمن قطع بفسقه ، فكان مندرجا تحت عموم الآية ، غير أنا خالفناه فيمن كان فسقه مظنونا ، وما نحن فيه مقطوع بفسقه ، فلا يكون في معنى صورة المخالفة .  
وأيضا قوله تعالى : (  إن الظن لا يغني من الحق شيئا      ) غير أنا خالفناه في خبر من ظهرت عدالته ، وفيمن كان فسقه مظنونا ، فيبقى فيما عداه على مقتضى الدليل .  
وأما المعقول ، فهو أن القول بقبول خبره يستدعي دليلا ، والأصل عدمه .  
فإن قيل : بيان وجود الدليل النص والإجماع والقياس :  
أما النص فقوله صلى الله عليه وسلم : "  إنما أحكم بالظاهر ، والله يتولى السرائر     " والفاسق فيما نحن فيه محترز عن الكذب ، متدين بتحريمه ، فكان صدقه في خبره ظاهرا ، فكان مندرجا تحت عموم الخبر .  
وأما الإجماع فهو أن  عليا  عليه السلام والصحابة قبلوا أقوال قتلة  عثمان  والخوارج   مع فسقهم ، ولم ينكر ذلك منكر فكان ذلك إجماعا .  
وأما القياس فهو أن الظن بصدقه موجود ، فكان واجب القبول مبالغة في تحصيل مقصوده قياسا على العدل والمظنون فسقه .  
والجواب عن الخبر ما سبق في المسألة التي قبلها ، وعن الإجماع : أنا لا نسلم أن كل من قبل شهادة  الخوارج   وقتلة  عثمان  كانوا يعتقدون فسقهم ، فإن  الخوارج   من جملة المسلمين والصحابة ، ولم يكونوا معتقدين فسق أنفسهم .  
ومع عدم اعتقاد الجميع لفسقهم ، وإن قبلوا شهادتهم فلا يتحقق انعقاد الإجماع على قبول خبر الفاسق .  
وعن القياس بالفرق في الأصول المستشهد بها .  
أما في العدل فلظهور عدالته واستحقاقه لمنصب الشهادة والرواية ، وذلك يناسب قبوله إعظاما له وإجلالا  [2] بخلاف الفاسق .  
وأما في مظنون الفسق فلأن حاله في استحقاق منصب الشهادة والرواية أقرب من حال من كان فسقه مقطوعا به فلا يلزم من القبول ثم القبول هاهنا .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					