أنه  لا يمكن التعارض بين دليلين قطعيين اتفاقا ،   سواء كانا عقليين ، أو نقليين ، هكذا حكى الاتفاق  الزركشي  في البحر .  
قال  الرازي  في المحصول :  الترجيح لا يجوز في الأدلة اليقينية   ؛ لوجهين :  
( الأول ) : أن شرط اليقيني أن يكون مركبا من مقدمات ضرورية ، أو لازمة عنها لزوما ضروريا ، إما بواسطة واحدة ، أو وسائط ، شأن كل واحدة منها ذلك ، وهذا لا يتأتى إلا عند اجتماع علوم أربعة :  
( الأول ) : العلم الضروري بحقية المقدمات ، إما ابتداء أو انتهاء .  
( والثاني ) : العلم الضروري ( بصحة تركيبها .  
( والثالث ) : العلم الضروري بلزوم النتيجة عنها .  
( والرابع ) : العلم الضروري ) بأن ما يلزم عن الضروري لزوما ضروريا فهو ضروري .  
فهذه العلوم الأربعة يستحيل حصولها في النقيضين معا ، وإلا لزم القدح في الضروريات ، وهو سفسطة ، وإذا علم ثبوتها امتنع التعارض .  
 [ ص: 782 ]    ( الثاني ) الترجيح عبارة عن التقوية ، والعلم اليقيني لا يقبل التقوية ؛ لأنه إن قارنه احتمال النقيض ، ولو على أبعد الوجوه ، كان ظنا لا علما ، وإن لم يقارنه ذلك لم يقبل التقوية . انتهى .  
وقد جعل أهل المنطق شروط التناقض في القضايا الشخصية ثمانية : اتحاد الموضوع ، والمحمول والإضافة والكل ، والجزء ، في القوة والفعل ، وفي الزمان ، والمكان .  
وزاد بعض المتأخرين ( تاسعا ) وهو : اتحادهما في الحقيقة والمجاز ، نحو قوله - تعالى - :  وترى الناس سكارى وما هم بسكارى   ورد هذا بعضهم بأنه راجع إلى وحدة الإضافة ، أي تراهم بالإضافة إلى أهوال يوم القيامة سكارى ، مجازا ، وما هم بسكارى ، بالإضافة إلى الخمر .  
ومنهم من رد الثمانية إلى ثلاثة : الاتحاد في الموضوع والمحمول والزمان .  
ومنهم من ردها إلى اثنين : الاتحاد في الموضوع ، والمحمول ، ولاندراج وحدة الزمان تحت وحدة المحمول .  
ومنهم من ردها إلى أمر واحد ، وهو الاتحاد في النسبة .  
وهذه الشروط على هذا الاختلاف فيها لا يخص الضروريات ، وإنما ذكرناها هاهنا لمزيد الفائدة بها .  
ومما لا يصح التعارض فيه إذا كان أحد المتناقضين قطعيا ، والآخر ظنيا ؛ لأن الظن ينتفي بالقطع بالنقيض ، وإنما يتعارض الظنيان ، سواء كان المتعارضان نقليين ، أو عقليين ، أو كان أحدهما نقليا ، والآخر عقليا ، ويكون الترجيح بينهما بما سيأتي .  
وقد منع جماعة وجود دليلين ينصبهما الله - تعالى - في مسألة ، متكافئين في نفس الأمر ، بحيث لا يكون لأحدهما مرجح ، وقالوا : لا بد أن يكون أحدهما أرجح من الآخر في نفس الأمر ، وإن جاز خفاؤه على بعض المجتهدين ، ولا يجوز تعارضهما في نفس الأمر ، من كل وجه .  
قال  إلكيا  وهو الظاهر من مذهب عامة الفقهاء ، وبه قال  العنبري     .  
 [ ص: 783 ] وقال  ابن السمعاني     : وهو مذهب الفقهاء ونصره ، وحكاه   الآمدي  عن   أحمد بن حنبل  عن  أحمد القاضي  وأبو الخطاب  من أصحابه ، وإليه ذهب  أبو علي  ،  وأبو هاشم  عن   القاضي أبي بكر الباقلاني     .  
قال  إلكيا  وهو المنقول عن   الشافعي  ، وقرره  الصيرفي  في شرح الرسالة فقال قد صرح   الشافعي  بأنه لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أبدا حديثان صحيحان متضادان ينفي أحدهما ما يثبته الآخر من غير جهة الخصوص ، والعموم والإجمال والتفسير إلا على وجه النسخ ، وإن لم يجده ، انتهى . وفصل القاضي من  الحنابلة   بين مسائل الأصول فيمتنع ، وبين مسائل الفروع فيجوز .  
وحكى  الماوردي   والروياني  عن الأكثرين أن التعارض على جهة التكافؤ ، في نفس الأمر ، بحيث لا يكون أحدهما أرجح من الآخر جائز وواقع .  
وقال  القاضي أبو بكر  ،  والأستاذ أبو منصور  ،   والغزالي  ،  وابن الصباغ     : الترجيح بين الظواهر المتعارضة إنما يصح على قول من قال : إن المصيب في الفروع واحد ، وأما القائلون : بأن كل مجتهد مصيب ، فلا معنى لترجيح ظاهر على ظاهر ؛ لأن الكل صواب عنده .  
واختار   الفخر الرازي  ، وأتباعه ، أن تعادل الأمارتين على حكم واحد في فعلين متباينين جائز وواقع ، وأما تعارضهما متباينين في فعل واحد ، كالإباحة والتحريم ، فإنه جائز عقلا ممتنع شرعا .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					